قصديتنا التي نتناولها بالدراسة تنتمي إلى بحر المتقارب وهو بحر يتكون من ثماني تفعيلات هي: فعولن.. أربع في كل شطر.
وهذا البحر يعد من البحور سريعة الإيقاع، المليئة بالحركة، تشيع فيه القوة وهذا ما دفع الشاعر ليمتطي صوته، ينظم في أمواجه متناسبًا مع غرض قصيدته الحماسي الثائر الذي يصرخ فيه بشعبه يستنهض همته ويوقظ عزمه.
ثم لا يلبث هذا البحر أن يخدم الشاعر حينما تسيطر عليه موجة الحزن وتشيع فيه الخيالات والأجواء الروماسنية التي تجتذبه ليخاطب الليل ويبث له شجونه وما يختلج في نفسه من خواطر وأفكار.
وهذا البحر لا يخون الشاعر حينما تمتلئ نفسه بالأمل وتعلوه موجة التفاؤل ويشعر بأن الحياة ستعود زاهرة كما كانت.
أما القافية التي اختارها وهي حرف الراء المتميز بالتكرار والرنين وهو لا شك يناسب الغرض القوي؛ لأنه حرف مجهور فيه سمة التردد الصوتي والتكرار، هذا عن الموسيقا الخارجية.
أما الموسيقا الداخلية فإنها قد أثرت القصيدة وملأتها حتي أتمت شكلها الفني في قالب جميل ذي إيقاع حسن مؤثر في النفس.
نرى مثلا ظاهرة التكرار في الألفاظ وهي ظاهرة بارزة في هذا النص والكلمة المكررة تمثل مركزا ينطلق منه الشاعر وإليه يعود، وفي كل مرة يبني صورة شعرية، ولهذا كان التكرار عند الشابي ذا وظيفة جمالية١.
١ الصورة الشعرية عند أبي القاسم الشابي، مدحت سعد الجيار، المؤسسة الوطنية للكتاب، ص٤٧.