إلى حين، ثم تنقلب هي بنفسها بعد قليل إلى مهيجات عصبية؟
وأنا لا أنكر أن في القصة أدبًا عاليًا، ولكن هذا الأدب العالي في رأيي لا يكون إلا بأخذ الحوادث وتربيتها في الرواية كما يربى الأطفال على أسلوب سواء في العلم والفضيلة، فالقصة من هذه الناحية مدرسة لها قانون مسنون، وطريقة ممحصة، وغاية معينة، ولا ينبغي أن يتناولها غير الأفذاذ من فلاسفة الفكر الذين تنصبهم مواهبهم لإلقاء الكلمة الحاسمة في المشكلة التي تثير الحياة أو تثيرها الحياة، والأعلام من فلاسفة البيان الذين رزقوا من أدبهم قوة الترجمة عما بين النفس الإنسانية والحياة، وما بين الحياة وموادها النفسية في هؤلاء وهؤلاء، تتخيل الحياة فتبدع أجمل شعرها، وتتأمل فتخرج أسمى حكمتها، وتشرع فتضع أصح قوانينها.
وأما من عداهم ممن يحترفون كتابة القصص، فهم في الأدب رعاع وهمج، كان من أثر قصصهم ما يتخبط فيه العالم اليوم من فوضى الغرائز، هذه الفوضى الممقوتة التي لو حققتها في النفوس لما رأيتها إلا عامية روحانية منحطة تتسكع فيها النفس مشردة في طرق رذائلها.
إذا قرأت الرواية الزائفة أحسست في نفسك بأشياء بدأت تسفل، وإذا قرأت الرواية الصحيحة أدركت من نفسك أشياء بدأت تعلو، تنتهي الأولى فيك بأثرها السيئ، وتبدأ الثانية منك بأثرها الطيب، وهذا عندي هو فرق ما بين فن القصة، وفن التلفيق القصصي!!