للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نموذج تطبيقي:

من النص السابق للرافعي:

"لهفي لذكراه صديقًا، كانت نفسه العالية كالنجمة وهبت قوة النزول إلى الأرض، وحبيبًا لو انقسمت روحي في جسمين لكان جسمها الثاني.

كان دائمًا كالذي يشعر أنه لا بد ميت وتارك ميراث مودته، فلا أعرف أني رأيت منه إلا أحسن ما فيه، وكأنما كان يضاعف حياتي بحياته، ويجعلني معه إنسانين، وكان له دين غض كعهد الدين بأيام الوحي: لا تزال تحته رقة قلب المؤمن وفوقه رقة جَناح الملَك، يخالط نوره القلوب.

وكان حييًا، صريح الحق، ترى صدق نيته في وجهه كما يريك الحق صدق فكره في لسانه، ساميًا في مروءته ليس لها أرض تسفل عندها١، وإنما هي إلى وجه الله فلا تزال ترتفع، ودودًا لا يعرف البغض، محبًّا لا يتسع للحقد، ألوفًا لا يُسرُّ الموجِدَةَ على أحد.

وكان رحيبَ الصدر، كأن الله زاد فيه سعة الأعوام التي سينتقصها من حياته، ففي قلبه قوة عمرين، وكان طيب النفس فكأن الله لم يمد في عمره طويلًا لأنه نفى منه الأيام الهالكة التي يكون فيها الإنسانُ للإنسان معنى من معاني الموت٢"٣.

ويلاحظ على نص الرافعي أنه يبدأ بجملة ثم يفرعها: وهي وسيلة بلاغية جيدة، فكأنما يجمل ثم يشرح.


١ كناية عنه أنه لا ينحط ولا ينزل سفْلًا.
٢ كأيام القطيعة والعداوة والكيد ونحوها، مما يجعل أعمار الناس أقصر مما هي.
٣ المرجع السابق، ص١٣٩.

<<  <   >  >>