للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكنه قد يصافح إنسانًا، وقد يمس آنية، أو يلمس ثوبًا فسرعان ما يفزع إلى ألوان المطهرات: هذا يغسل به يديه، وهذا يُضَمِّخُ به ثوبه، وهذا للمضمضة، وهذا للاستنشاق.

ولكنه يتنفس ولا غناء عن أن يتنفس، وقد يجر نفسه نسمة مؤذية بما تحمل من المكروبات. فهو دائم على ترجع الأدوية، هذا لتطهير الحلق، وهذا لتنقية الرئتين، وهذا لتنظيف المصران الدقاق.

وإنه لفي نشاطه ونضارته.. حتي يرميه بابه بزائر، فإذا سقط لسانه بأن فلانا قد مات اربدَّ١ وجهه، وتتعتع لسانه٢، وتاهت حدقتاه في محاجرها، وشد نفسه شدًّا، ثم تهافت بها على الزائر يسأله: "وهل مرض فلان هذا؟ وهل شكا؟ وماذا كانت علته؟ ومتى ابتدأت شكاته؟ وما الذي كان يظهر عليه من أعراض الداء؟ وهل كان يحس وجعًا؟ وفي أي موضع كان يستشعر الألم؟ وما صفة الدواء الذي كان يتناوله؟ ومن الطبيب الذي كان يعالجه؟ وهل فحص عن قلبه؟ وهل كان يعد ضرباته؟ ".

ثم إنك لتشعر أن قد نشبت في نفس المسكين معركة هائلة بين الرجاء في الحياة وتوقع الموت كما مات فلان.

ثم تكون له فترة يقبل فيها على جس نبضه، ثم تراه قد دخل في الغشية ولحقه الذهول، فزاغت عيناه، وتقلصت شفتاه، وأرعشت يداه، وجعل يطفو ويرسب في كرسيه، وأومأ فتطاير الخدام يطلبون الأطباء من كل مكان.

وكذلك قضى العمر إلى غايته مشغولًا عن متع الحياة ومطالب الحياة، بشدة الحرص على الحياة.


١ اسودّ.
٢ اضطرب.

<<  <   >  >>