وكان للقلوب تعلق شديد بتلك القبور والأشجار والكهوف المعبودة لطول الأمد عليها, إذ نشأ عليها الصغير, وشاب عليها الكبير, وتلقاها الخالفون عن السالفين من آبائهم, وأخذوا بالوراثة التي امتزجت بنفوسهم في جميع أدوار حياتهم, وليس في الناس من يقوم بالإنكار على هذه المبتدعات, ولا من يرد الناس عنها إلى الدين الصحيح, إما لتعلق بها وحرص عليها لأنها مورد رزق, وسبيل رياسة وذلك شأن متصوفة الزمن, وسدنة المقابر, والموظفين في خدمتها وترويج عبادتها, وهؤلاء أضر خلق الله على الناس.
وإما لجهل بحقيقة الإسلام, وما بعث به الرسول عليه الصلاة والسلام, وتعوضهم عن ذلك بما حفظوا أو قرأوا من بعض الكتب المحشوة بما يزيد هذه البلايا رواجا, والرؤساء والأمراء لا هم لهم إلا جمع الدنيا وتحصيل لذاتها ومتاعها من كل طريق وبكل وسيلة, فكان المسلم السليم القلب, العارف لربه وعبادته, ولنبيه وهديه وسنته, إذا تأمل في هذه الحال تفطر قلبه حسرة, بالإضافة إلى تهاونهم بالصلوات, ولا سيما في الجمع والجماعات, وارتكاب كثير من المنكرات, وإذا وجد من ينكر تلك الضلالات وعبادة الأموات, قاموا عليه قيامة رجل واحد, وكفروه وضللوه وضربوه وأخرجوه من البلد إن كان غريبا, وأذاعوا في الناس أن هذا الرجل ضال مضل, إياكم أن تصغوا لقوله وتتأثروا بإرشاده, كما في قصة الواعظ التركي الذي أتى مصر كما ذكره الجبرتي, وخلاصة قصته إنه أخذ يحذر الناس من الاستغاثات والطواف بالقبور والنذور والدعوات الشركية, فقاموا عليه آذوه وضربوه, وطلب الحكم بينه وبينهم أمام القاضي, وبالرغم من أن القاضي أيد جانب الواعظ, لكنهم لم يقتنعوا ووشوا به إلى الحاكم إنه مبتدع ضال, فأبعده الحكم من البلاد, مع العلم أن كثيرا من العوام أحبوه وعلموا أن ما يقوله ذلك الواعظ هو التوحيد الصحيح والإسلام المنيف, وهكذا في عصرنا في كثير من الأقطار بمجرد ما يسمعون منك كلمة تخالف ما هم عليه, من تلك الاعتقادات الباطلة والآراء الكاسدة صاحوا عليه وقالوا: إنه وهابي أخرجوه