فإن قيل إن الوهابية بالغت في التهجم على الشيخ البوصيري, ونسبت إليه الغلو والشرك, وكأنهم لم يعلموا أن الشيخ كان عالما, وأنه احترز عن مثل ما يظن به بقوله: دع ما ادعته النصارى في نبيهم.
وبقوله:
فمبلغ العلم فيه أن بشر ... وأنه خير خلق الله كلهم
فالجواب: إنه لم يلتزم ما قاله, بل تجاوز الحد مما يجوز إلى ما لا يجوز, وهل ضلت النصارى إلا بالغلو في عيسى عليه السلام, وفي الأحبار والرهبان, فإنهم ألهوا عيسى وعبدوه من دون الله, وعبدوا الأحبار والرهبان بإطاعتهم لهم في تحليل ما حرم الله وفي تحريم ما حلل الله, كما قال المفسرون في قوله تعالى {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} .
فمن صرف شيئا من العبادات كالدعاء والنذر لغير الله والاستغاثة والاستعاذة بغيره تعالى والرجاء والخوف والطواف والقسم بغير الله, يكون قد ألهه لأن الإله هو المعبود بحق أو باطل, ويصبح المؤله لغير الله مشركا إلا أن في القسم تفصيلا, إن حلف بغير الله وقصد تعظيم غير الله كتعظيم الخالق, فقد أشرك شركا أكبر, وإن لم يقصد ذلك فقد أشرك شركا أصغر.
والناظم بدافع الحب استغاث بالرسول صلى الله عليه وسلم واستجار به, وأقسم بغير الله في مثل قوله:
أقسمت بالقمر المنشق ان له ... من قلبه نسبة مبرورة القسم
وزعم أن الله تعالى لم يخلق الكونين إلا لأجله, وأن علوم الأنبياء من علمه, لأنه الذي أفاض عليهم سوى ما أتى به من الأقاويل الضعيفة كقوله:
وبات إيوان كسرى وهو منصدع ... كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم
ولو تتبعنا أخطاء البردة لطلب منا كتابا, كما أن في همزيته أخطاء وغلوا كقوله: