الرسل مبعوثون للدعوة إلى إفراد الله بالعبادة, فاعلم أن الله تعالى بعث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام, من أولهم إلى آخرهم يدعون العباد إلى إفراد الله تعالى بالعبادة, لا إلى إثبات أنه خلقهم ونحوه, إذ هم مقرون بذلك كما قررناه, ولذا قالوا: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} . أي لنفرده بالعبادة, ويخصه بها من دون آلهتنا؟ فلم ينكروا إلا طلب الرسل منهم إفراد العبادة لله, ولم ينكروا الله تعالى, ولا قالوا: إنه لا يعبد, بل أقروا بأنه يعبد, وأنكروا كونه يفرد بالعبادة, فعبدوا مع الله غيره, وأشركوا معه سواه, واتخذوا معه أندادا, كما قال الله تعالى {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} , أي وأنتم تعلمون أنه لا ند له, وكانوا يقولون في تلبيتهم للحج, لبيك لا شريك لك, إلا شريكا هو لك, تملكه وما ملك.
ثم قال بعد كلام مضى: ومن هذا تعرف أن التوحيد الذي دعتهم إليه الرسل من أولهم هو نوح عليه السلام إلى آخرهم وهو محمد صلى الله عليه وسلم وهو توحيد العبادة, ولذا تقول لهم الرسل: أن لا تعبدوا إلا الله {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} .
وقد كان المشركون منهم: من يعبد الملائكة ويناديهم عند الشدائد, ومنهم من يعبد أحجارا ويهتف بها عند الشدائد, فبعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى عبادة الله وحده, بأن يفردوه بالعبادة كما أفردوه بالربوبية, أي بربوبية السموات والأرض, وأن يفردوه بمعنى ومؤدى كلمة "لا إله إلا الله" معتقدين لمعناها, عاملين بمقتضاها, وأن لا يدعوا مع الله أحدا.
وأخذ الشيخ في الكلام على توحيد الألوهية إلى أن قال:
فإفراد الله بتوحيد العبادة لا يتم إلا بأن يكون الدعاء كله, والنداء في الشدائد والرخاء لا يكون إلا لله وحده, والاستعانة بالله وحده, واللجوء إلى الله والنذر والنحر له تعالى, وجميع أنواع العبادات من الخضوع والقيام تذللا لله تعالى, والركوع والسجود والطواف والتجرد عن الثياب والحلق والتقصير كله لا يكون إلا لله عز وجل, ومن فعل شيئا من ذلك لمخلوق حي أو ميت