شيئا كثيرا زائدا عن الوصف وزفها بجميع ما عنده من الطبول والأغاني والملاهي حتى يأتي بها إلى الميدان, ثم يشرعون في نحرها وينصبون القدور ويطبخون الألوان المختلفة, فإذا كانت ليلة المولد عمل السماعات بعد أن يصلي المغرب في القلعة ثم ينزل وبين يديه من الشموع المشتعلة شيء كثير وفي جملتها شمعتان أو أربع – أشك في ذلك- من الشموع الموكبية التي تحمل كل واحدة منها على بغل ومن ورائها رجل يسندها وهي مربوطة على ظهر البغل, فإذا كانت صبيحة يوم المولد أنزل الخلع من القلعة إلى الخانقاه على أيدي الصوفية على يد كل شخص منهم بقجة, وهم متتابعون كل منهم وراء الآخر فينزل من ذلك شيء كثير لا أتحقق عدده.
ثم ذكر عرضه الجند وتوزيعه تلك الخلع بعد ذلك على الفقهاء والوعاظ والقراء والشعراء ومد السماط, وكان قد ذكر قبل ذلك أن الناس كانوا يأتون هذا الموسم في إربل من بغداد والموصل والجزيرة وسنجار ونصيبين وبلاد العجم, وتلك النواحي فلا يزالون يتواصلون من شهر المحرم إلى أوائل شهر ربيع الأول.
لخصت هذا من تاريخ ابن خلكان الذي وصف ما رآه بعينيه, لأن ما يعمل بمصر الآن يشبه ما كان يعمل في إربل إلا أنه دونه عظمة ونفقة, فههنا تنصب قباب أو خيام النسيج الجميلة لعزيز مصر ولوزارات حكومته ولبعض الوجهاء في دائرة واسعة, ويختلف إليها الناس من أول شهر ربيع الأول يسمعون في بعضها وعظ الوعاظ وذكر أرباب الطرق المعروفة, ويرأس الاحتفال هنا شيخ مشايخ طرق الصوفية ويقيم بجانب خيمته مأدبة فاخرة في مساء اليوم الحادي عشر من الشهر يحضرها كبار العلماء وكثير من الوجهاء ويكون الاحتفال الأكبر في الليلة الثانية عشرة في خيمته فيجتمع فيها من حضر المأدبة ويؤمها الأمراء والوزراء حتى إذا ما انتظم جمعهم حضر عزيز مصر بحاشيته, وتقرأ بين يديه قصة المولد فيخلع على من يقرأها خلعة سنية, وتدار بعد قراءتها كؤوس الشراب المحلى وصواني الحلوى الجافة ثم