بعد سنة ستين وسبعمائة, فاستمر إلى أن كان في شعبان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة ومتولي الأمر بديار مصر منطاش القائم بدولة الملك الصالح المنصور أمير حاج المعروف بحاج ابن شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون, فسمع بعض الفقراء الخلاطين سلام المؤذنين على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة جمعة, وقد استحسن ذلك طائفة من إخوانه, فقال لهم أتحبون أن يكون هذا السلام في كل أذان, قالوا نعم, فبات تلك الليلة وأصبح متواجدا يزعم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه, وأنه أمره أن يذهب إلى المحتسب, ويبلغه عنه أن يأمر المؤذنين بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أذان، "فمضى" إلى محتسب القاهرة وهو يومئذ نجم الدين محمد الطنبدي وكان شيخا جهولا سيء السيرة في الحسبة والقضاء، متهافتا على الدرهم ولو قاده إلى البلاء، لا يحتشم من أخذ البرطيل والرشوة، ولا يراعي في مؤمن إلا ولا ذمة, قد ضرى على الآثام وتجسد في أكل الحرام, يرى أن العلم إرخاء العذبة ولبس الجبة, ويحسب أن رضاء الله "سبحانه" في ضرب العباد بالدرة وولاية الحسبة, لم تحمد الناس قط أياديه, ولا شكرت أبدا مساعيه, بل جهالاته شائعة, وقبائح أفعاله ذائعة.. وقال له: رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تتقدم لسائر المؤذنين, بأن يزيدوا في كل أذان قولهم الصلاة والسلام عليك يا رسول الله, كما يفعل في كل ليالي الجمع.
فأعجب الجاهل هذا المقول, وجهل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر بعد وفاته إلا بما يوافق ما شرعه الله على لسانه في حياته, وقد نهى الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز عن الزيادة في شرعه حيث يقول "أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إياكم ومحدثات الأمور" , فأمر بذلك في شعبان من السنة المذكورة, وتمت هذه البدعة واستمرت إلى يومنا هذا في جميع ديار مصر وبلاد الشام, وصارت العامة وأهل الجهالة ترى أن ذلك من جملة الأذان الذي لا يحل تركه, وأدى ذلك إلى أن زاد بعض أهل