وأما احتجاجهم بحديث توسل عمر بالعباس بن عبد المطلب فهاك نص الحديث: عن أنس أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك, وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا "فيسقون". رواه البخاري في صحيحه فتعلقوا بقوله: إنا كنا نتوسل بنبينا, هذا الأمر الأول, والثاني قوله: إنا نتوسل إليك بعم نبينا, ففهم أنصار البدع والمبشرون بدعاء الأموات والتوسل والاستغاثة بهم على جواز الأمرين بل على الندب.
والجواب: إن قولهم توسلوا بالنبي لا يصح, بل كانوا يتوسلون بدعائه صلى الله عليه وسلم في حال حياته, والدليل عليه أمور:
الأول: ما ثبت في الأحاديث حين كان حيا أنهم كانوا يأتون إليه في الجدب فيذكرون له ذلك ويسألونه, فيدعو الله لهم ويقول:"اللهم أغثنا" في أحاديث كثيرة, وما ورد قط أنهم توسلوا واستسقوا بذاته حيا, والتوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم مذكور في صلاة الاستسقاء من كتب السنة, فعن أنس رضي الله عنه "أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم قائم يخطب, فقال يا رسول الله هلكت الأموال, وانقطعت السبل, فادع الله عز وجل يغيثنا فرفع يديه" زاد البخاري في رواية "ورفع الناس أيديهم" ثم قال "اللهم أغثنا" وفي البخاري أسقنا "اللهم أعثنا" فهذا الحديث صريح أنهم كانوا يطلبون من الرسول صلى الله عليه وسلم دعاءه, ولا شك أن دعاءه مستجاب.
فقد تبين مما أوردته أن توسلهم بالرسول صلى الله عليه وسلم كان بدعائه لا بذاته, لأنه لو كان التوسل بذاته لما كانت هناك حاجة لأن يأتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويطلبوا منه أن يستسقي لهم, ولتوسلوا وهم في أماكنهم فطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم حينما أجدبوا, كما قال الأعرابي: والرسول يخطب هلكت الأموال وانقطعت السبل فادعوا الله يغيثنا, فذلك الأعرابي كان أعرف بالتوحيد من أولئك الذين يدعون العلم, ويموهون على الناس بأنهم من الناصرين لدين الله,