للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تجربة مشاهدة صادقة لا تخون، هذه التجربة هي أن تدعوا هؤلاء الذين زعمتم أنهم يسمعون دعاءكم ويجيبونكم، وأن تنظروا بعد هذا هل يستجيبون لكم أم لا يستجيبون، فإن كانت الأولى فقد صدقتم وهديتم، وإن كانت الأخرى فقد كذبتم وضللتم، وعليكم أن تتوبوا بعد، وأن ترجعوا إلى عقولكم وفطركم التي عز بتم عنها وعز بت عنكم منذ أحقاب وأزمان {فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} .

وقوله {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} تعليل للنهي عن دعائهم وسؤالهم، وقطع الرجاء فيهم ومنهم، وذلك لأنهم قد فقدوا آلات العمل والحياة، فهم لا يستطيعون أن ينيلوا سائليهم شيئا لعجزهم وقصورهم فهم لا يستطيعون أن يمشوا ولا يعملوا بأيديهم ولا أن يبصروا ولا أن يسمعوا لأنهم أموات، والأموات أشباح لا أرواح فيها، فهي جماد من حيث الظاهر، ومن حيث الدنيا، والحياة التي فيهم ولهم هي حياة روحية غيبية أخروية راجعة إلى أرواحهم التي مستقرها عالم الآخرة عند الله، فلا صلات بينها وبين الدنيا وأهل الدنيا. أما أجسامهم وهي ما بقي عند أهل الدنيا منهم -فلا فرق بينها وبين الجماد الصامت من حيث العجز عن النفع والضر والعمل والحركة، فلا فرق بين من دعاها وبين من دعا الجمادات الصامتة، أما الأرواح فما أبعد منالها ومكانها عن داعي أشباحها، وما مثل من دعا هذه الجثث الميتة الموضوعة تحت التراب والرغام إلا كمثل من دعا ثوبا أو بيتا، لأن نبيا من الأنبياء، أو وليا من الأولياء كان قد لبسه أو سكنه يوما من الزمان. أ. هـ١.

وقد رتبت الآية وصف هؤلاء المدعوين بالعجز والضعف ترتيبا هو في غاية الدقة والنظام والبراعة، فقد سلبتهم أولا المشي والنقلة، وقد بقي لهم أن يعملوا بأيديهم فسلبتهم ثانيا ذلك فبقي لهم من آلات الحس أن يبصروا


١ "من الصراع بين الإسلام والوثنية- الجزء الثاني- ص ٣٨٨"

<<  <   >  >>