بأعينهم فينفعوا دعاتهم بالنظرات بعد أن عجزوا عن نفعهم بعملهم بأرجلهم وبطشهم بأيديهم فسلبتهم ثالثا آلة النظر، فهم لا يستطيعون أن يمنحوا من دعاهم ورجاهم نظرة من نظرات العطف والحنو والحنان، فبقي لهم بعد سلب ذلك كله أن يسمعوا دعاءهم وهتافهم، ولعلهم إذا سمعوا هذا شفعوا لهم أو توجهوا بنفوسهم وإراداتهم إلى نفعهم ومجازاتهم على تعلقهم بهم وانقطاعهم إليهم، فسلبتهم رابعا آلة السماع، فأصبحوا لا يمشون ولا يعملون ولا يبصرون ولا يسمعون، فكيف ينفعون أو يضرون؟ وكيف يرجون ويؤملون؟ ... فانقطع منهم كل أمل ورجاء وهذا الترتيب في تعجيزهم وتسجيل ضعفهم في مكان من الدقة والبراعة لا يسع أجحد العقول وأكفرها وأعنفها كبرياء وجبروتا إلا التواضع إزاءها والتسليم بالإعجاز وبصحة الانتساب إلى الحق جلت قدرته وعظمته وإلا الإعطاء لها باليد، يد الصغار والتضاؤل والتخاذل.
تأمل أيها القارئ في هذه الآيات السالفة كيف قطعت جذور الشرك وألسنة عباد غير الله وشبهاتهم التي هي أوهن من بيوت العنكبوت.
فإن قال قائل منهم إن هذه الآيات نزلت في عباد الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام ولكن ندعو الأولياء والصالحين لما لهم من وجاهة وعظيم مكانة عند الله. فالجواب: قد تقدم مثل هذا السؤال والجواب، وأن كلمة غير الله تشمل كل معبود سواء كان ملكا أو نبيا أو رسولا أو وليا أو شجرا أو حجرا فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.