إذا علمت هذا فغاية ما في هذه الآيات إخباره تعالى بأن رسوله- صلى الله عليه وسلم- أولى بالمؤمنين من أنفسهم في أمور دنياهم وأخراهم، وأن الله تعالى أرسله رحمة للعالمين ليخرجهم من الظلمات، أي ظلمات الكفر والمعاصي، إلى النور نور الإيمان والطاعة"وكان بالمؤمنين رحيما" كقوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة: آية١٢٨] فرأفته ورحمته بالمؤمنين، وغلظته وشدته على الكافرين، فمن آمن بالله ورسوله وأخلص العبادة بجميع أنواعها لله ولم يشرك فيها أحدا، لا ملكا مقربا، ولا نبيا مرسلا، فضلا عن غيرهما، فالرسول أولى به من نفسه، ورأفته ورحمته- صلى الله عليه وسلم- خاصة بالمؤمنين به المؤتمرين لأمره، المنتهين عما نهى عنه، ومن أشرك بالله في عبادته أحدا من مخلوقاته كائنا من كان، والتجأ إليه في كشف المهمات وإغاثة اللهفات وصرف له خالص حق الله فرسوله الله منه بريء فلا تنال رأفته ورحمته وشفقته من أشرك بالله، ولا يكون من أهل ولاية الله في الدنيا والآخرة.
قال شمس الدين الحافظ ابن القيم- رحمه الله تعالى:
يا من له عقل ونور قد غدا ... يمشي به في الناس كل زمان