نرجو من فضيلتكم بيان هل يكفي لصلة الرحم ما سخره الله عز وجل في هذا الزمان بالهاتف؟
الجواب
أخي في الله! لو كانت الصلة بالهاتف تكفي لما اقتنع المؤمن ولا رضي المسلم أن يحرم نفسه الخير بتغبير أقدامه في طاعة الله ومرضاته، ولو كانت الصلة تكفي بالهاتف أو تكفي بالرسالة أو ببعث السلام فلن يرضى المسلم حتى يطلب الأكمل والأفضل، والصحابة كانوا يأتون ويسألون عما يقرب إلى الجنة، حتى ولو كان من مشاق النفوس ومما تبذل فيه المهج والأرواح ونحنُ على العكس من ذلك نبحث فقط على القدر الواجب وقدر الإجزاء فما دون، وهذا لا ينبغي، وخاصة لطلاب العلم، ولذلك أوصي طلاب العلم في صلتهم لأرحامهم وقرابة زوجاتهم، فعندما تكون المرأة صالحة ولها أخوات عند أناس أقلّ منك صلاحاً وأقلّ منك ديانة أو أناس من العوام، فينبغي أن تكون أنت أكمل وأفضل منهم، وأن تكرم زوجتك الصالحة الدينة.
بعض الأخيار والصالحين قد يكون سبباً في الشماتة؛ لأنه يقتصر على قدر الواجب، وما يدري هؤلاء العوام عن الواجب، لو كانت الصلة بالهاتف تكفي، إنما يرجعون إلى العرف ويقولون: هذا طالب علم لا يأتينا، وهذا طالب علم إنما يتصل بالهاتف، حتى ولو كان ذلك جائزاً لفُسِّر أنه تكبر واستعلاء، بالله لو كنت والداً للزوجة وكان قريبك يفعل بك ذلك أكنت ترضى؟! أكنت ترضى أن يقوم بصلتك بالاتصال ولا يغبّر قدمه بالوقوف على بابك؟! لن ترضى ذلك، ولا يرضاه الصالحون من عباد الله الأخيار؛ لأن الإنسان مجبول بفطرته على حب الكمال.
فينبغي على طلاب العلم ألا يبحثوا على قدر الإجزاء فقط، بل عليهم أن يسعوا إلى الكمالات؛ لأنه إذا رضي الله عنك في برك لوالديك وصلتك لرحمك كانت صلة الله لك أكمل، وإذا كنت تبحث عن قدر الإجزاء وتبقى عليه، فهذا حد ما فرضه الله عليك، ولكن يعطيك الله ويجزيك قدره، ولكن إذا كنت تريدُ الصلة بالله على أتم الوجوه وأكملها وأفضلها وأحسنها فصل رحمك على أتم الوجوه وأكملها وأحسنها.
وإذا كان الإنسان عنده مشاغل ومع ذلك ينزل الزوجة لزيارة أمها وأبيها، ويقف ويسلم على والدها ويسلم على والدتها، والله يعلم أنه مشغول وأنه متأخر، ولكن يصبر؛ لعلمه أن الله يرضى منه ذلك.
وقد ترى الرجل إذا كان في تجارة، لو جاء لزيارة تاجر لجلس واستحيا أن يقوم، وإذا قال له: أنت مشغول؟ قال: لا، حقك أكبر، وأخذ يجامله، ويقول له الكلمات المكذوبة، والله يعلم أنه لا يقولها من قلبه، وهو يتمعر على فوات شغله، ولكنه يريد أن يجامل الناس، أما الرحم فلا، تجدنا أكمل ما نكون مع الأجانب ومن هم أبعد منا، وتجدنا أنقص ما نكون مع أقرب الناس منا، وهذا والله من الحرمان، ومن الخذلان أن تجد الرجل يبر خالته ويعق أمه، كما ذكروا في المثل.
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند فينبغي للإنسان ألا يرضى فقط بقدر الإجزاء، ويبحث عن الرخص؛ ولذلك يقول بعض العلماء: قد يكون العلم وبالاً على العالم، قيل: كيف ذاك؟ قال: يأتي إلى العبادة، فيقول: هذا ركن وهذا واجب وهذه سنة، إذاً ما دام أنها سنة نتركها، فيصبح لا يفعل إلا الواجبات والفرائض، ويصبح علمه بالسنة وبالاً عليه نسأل الله السلامة والعافية! بدلاً من أن يكون علمه بالسنة سبباً في التمسك والحرص على الخير، صار -والعياذ بالله- سبباً في حرمان الخير، وتجد العامي ينظر إلى هذه السنة كأنها واجب، فيحرص على فعلها فينال فضلها، وتجد طالب العلم يقول: هذه ليست بواجب، فيتركها، فإذا بالعوام قد يفوقوا طلاب العلم في ذلك! إذاً لا تسأل عن قدر الإجزاء، بل ابحث عن الأكمل والأفضل، وكم ترى عينك وكم تسمع أذنك من زوج كثير المشاغل يأتي إلى أهل زوجته، يصلهم ويبرهم، وكلهم يعلم أنه مشغول، وأنه يتكلف المجيء، فيخرج من عندهم والأكف تُرفع إلى الله أن الله يوفقه ويسدده.
فلذلك حري بالمسلم أن يسعى إلى الكمالات، وأن يبحث عن الأفضل والأكمل، خاصةً إذا كان من طلاب العلم وكانت عنده زوجة صالحة، فليكن أكرم بعل في الإحسان لأهلها وإكرامها رعايةً لصلاحها، فالزوجة الصالحة في هذا الزمان درةً ثمينة عزيزة غالية.