للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أثر الخلافات الزوجية أمام الأبناء]

السؤال

ما توجيهكم لزوجين يكثر نقاشهم، وذكر أخطاء بعضهم البعض أمام أبنائهم، وجزاكم الله خيراً؟

الجواب

مما يفسد المودة والمحبة كثرة النقد، ومن أكثر الانتقاد للناس سلط الله عليه من ينتقده، قال مالك رحمه الله برحمته الواسعة: (أعرف أقواماً عندهم عيوب، سكتوا عن عيوب الناس، فسكت الناس عن عيوبهم، وأعرف أقواماً ليست عندهم عيوب، -يعني أهل كمالات وفضلٍ واستقامة- تكلموا في عيوب الناس، فأحدث الناس لهم عيوباً) ، حتى كذبوا وافتروا عليهم عيوباً، ولا يعني هذا السكوت عن الحق وبيان الحق، هذا مستثنى، لكن نحن نقول أن النقاش وكشف السوءات والعورات بين الزوج والزوجة خاصة أمام الأبناء والبنات هذا ممن لا ينبغي، لأنه يفسد الألفة والمحبة، ويحرص الزوج والزوجة على ألا يتناقشا في هذه المواضيع أمام الأولاد؛ لأنه ثبت طبياً بقول أهل الخبرة أنه يؤثر في نفسيات الأولاد أعظم التأثير، ولو كانت مناقشة بسيطة، فإن الابن إذا رأى الحياة نكدة في وجه أبيه وأمه، تشتت ذهنه وعزب عنه رشده، وأصبح في حيرة وتنتابه بعض الوساوس والأمراض، ويتسلط عليه الشيطان في أمور لا تُحمد عقباها وهذا معروف، حتى إن أهل الطب يقررون أن بعض الأمراض النفسية هي بسبب المشاكل الزوجية بين الزوجين أمام الأولاد -الأبناء والبنات- وهذا من أعظم ما يؤذي خاصةً البنات، فإن البنات ضعيفات، وينبغي أن يُتقى الله فيهن، فلا يؤذي الزوج زوجته أمام بناته، ويقول لها الكلمات الجارحة يؤذيها ويسبها، والعكس فلا تؤذي الزوجة زوجها أمام أبنائه وتحتقره وتنتقصه، على كلٍ أن يتقي الله، وأن يعلما أنهما موقوفان بين يدي الله، وأن الله عز وجل يحاسبهما على ما يكون منهما، وإذا كان بينهما خلاف أو نقاش فليكن في حال العزلة والانفراد، ولذلك أُوصي حتى طلاب العلم وأئمة المساجد والعلماء والمفتين إذا ارتفع إليك اثنان في مشاكل زوجية فاحرص على أن تسمع من كل واحدٍ على حدة؛ لأن المواجهة والمقابلة تكشف عورات لا يحمد كشفها، وإذا سمعت من الرجل على حدة ومن المرأة على حدة، وحاولت أن تنمي خيراً بينهما وتصلح بينهما، فهذا من أفضل الطرق لعلاج المشاكل الزوجية وهذا مجرب، ولذلك كثير من الذين يتدخلون في المشاكل الزوجية يجمعون الزوج والزوجة، وقد يأتون بقرابة الزوج وقرابة الزوجة، وكل منهما يجرِّح في الآخر، ويصبح الأمر عصبياً وكل منهما يريد أن يتغلب على الآخر، فهذا من الأخطاء.

من أفضل ما يكون في معالجة الأخطاء والتوجيه أن تنفرد مع المخطئ وأن تسمع منه، وأن تعرف من خلال كلامه، هل هو مبالغ وتناقشه وتسأله، وإذا جاءتك المرأة بالعيب والعورة، التمست مخرجاً للرجل، وإذا جاءك الرجل بعيبٍ في المرأة التمست لها المخرج، وجئته بما هو أسوأ، حتى يقدر نعمة الله عليه، وجئتها بما هو أسوأ حتى تقدر نعمة الله عليها، وتحاول أن توفق.

أما مناقشة المسائل والخلافات أمام الأبناء والبنات فهذا ظلم للأبناء والبنات، وزوجان يتناقشان ويختلفان ويصيحان ويلغطان أمام الأبناء والبنات فإنهما انتُزع من قلبيهما الرحمة، ولا تنزع الرحمة إلا من شقي، والله لو علما مقدار ما يكون من أذى ذلك على الابن والبنت ما فعلا ذلك أمامهم، فليتق الله الزوج والزوجة، وليكن النقاش نقاشاً هادفاً في انفراد مع وصية كلٍ منهما بتقوى الله، فيما يقوله وما يكون منه، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>