[حكم ضرب الأبناء للتأديب وضوابطه]
السؤال
أثابكم الله وبارك الله فيكم، ونفع الله الجميع بما قلتم، هذا سائل يقول: هل يجوز ضرب الأبناء لتأديبهم وهل هناك ضوابط معينة في هذا الأمر؟
الجواب
باسم الله الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه.
أما بعد: فضرب الأولاد لتأديبهم عند الحاجة مشروع؛ ولكن لا يكون الضرب إلا بعد التوجيه، ولذلك قال الحكماء: إن أفضل ما تكون التربية بالضرب والزجر إذا سبقه نذير؛ فأول ما يبتدئ الوالد والوالدة أن يأمرا الصَّبي أو الصَّبية أو ينهياهما عن الشيء، فإذا لم ينته الولد أو البنت بيّنا لهما سوء العاقبة، وقالوا له: هذا يضركما لا خير فيه؛ حتى يصبح امتناعهما عن تعقل من ذاتهما، لا يعود الولد بمجرد ما يُخطئ يُضرب، إنما أول ما يبتدئ أن يحذر الصَّبي ويقول له: لا تفعل كذا، فإذا انكف الحمد لله، فإذا فعل ثانية، يقول له: لا تفعل، هذا فيه كذا، فحينئذٍ إذا لم يمتنع من جهة أمر أبيه أو أمه، فإنه قد يمتنع من جهة الضرر الموجود في الشيء الذي يفعله.
فإذا لم يمتنع يقول له: لا تفعل، فإن فعلت سأضربك، فإذا قال له: إن فعلت سأضربك، ووعده أنه يضربه؛ فإنه إذا فعل يضربه ولا يتأخر؛ لأنه إذا وعده أن يضربه فجاء يريد أن يضربه فتعلق به، وقال: لا أعود فأخذته العاطفة فإن الولد سيفعل هذا ثانية، ويتكل على العاطفة، فقالوا: بمجرد أن يحذره بالضرب فإنه يضربه، فإذا ضربه أحس الابن أنه بمجرد تحذير الوالد أو الوالدة بالضرب بأنه سيقع ما وعدا به من العقوبة، لكن بعض العلماء يقول: لا ينبغي أن يبادر الوالدان بهذا الأسلوب؛ لأنه يعود الولد على اليأس والقنوط من رحمة الوالدين، بل ينبغي عليهما أن تكون عندهم مرونة، تختلف بحسب الأحوال، وما يكون من الصبي من الأخطاء، وأحوال الصبية والصبيان، فهذا صعب لا نستطيع أن نضع ضابطاً فيه؛ ولكن الأمر يرجع إلى اجتهاد الوالدين.
أما الجواز فيجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الضرب وسيلة للتربية، فقال عليه الصلاة والسلام: (واضربوهم عليها لعشر) ، لكن ننبه على مسألة مهمة وهي: ضرب الصغار وهم في سنٍ مبكرة، بحيث يكون الضرب قبل أن يكون عندهم نوع من التمييز؛ وهذا لا يجوز، ولذلك جعل الشرع الضرب بعد التمييز، وإنما يكون الضرب إذا أخطأ الصبي أو الصبية وكان عندهما شيء من التمييز؛ لأن الصبيان يختلفون، يقول بعض العلماء: ربما ميز الصبي وهو في الخمس سنوات، وقد يميز وهو ابن ست سنوات، وهذا يرجع إلى قوة الذكاء وعلى حسب طبيعة الصّبي وقد يتأخر تمييزه إلى العاشرة؛ ولذلك إذا كنت تفهم أنه ميّز، وأنه لا بد من زجره، وأنه مسترسل في هذا السوء، أو في هذا الخطأ، فحينئذٍ يضرب الإنسان بقدر، وإنما هو اجتهاد ومرده إلى الوالد والوالدة، فليتق الله كلٌ منهما في هذه الطريقة.
وننبه -أيضاً- على أمرٍ وهو الخطأ في استعمال الضرب، فبعض الآباء تكون فيه عصبية شديدة فتراه يضرب أولاده بشدة، فهو يضرب ضرباً مبرحاً قوياً وهذا لا يجوز، إنما يكون الضرب بقدر؛ لأن الضرب شُرِعَ لحاجة، والقاعدة: أن ما شرع لحاجة يقدر بقدرها.
فإذا كان الوالد عصبياً فالأفضل أن يترك الأمر للوالدة إذا كانت حكيمةً عاقلة، إذا كان لا يأمن من نفسه أن يضرب أولاده برفق وبقدر، لكونه إذا ضرب أوجع وبالغ فيه، فحينئذٍ ينزع يديه؛ لأن مثله لا يصلح للتربية بهذا الأسلوب-أعني الضرب-، وهذا ينبه العلماء عليه في باب اتخاذ الأسباب؛ لأنه إذا كان منهياً عن ظلم ولده وضربه بالضرب المبرح الذي لا يتحمله، فلا يجوز له أن يتعاطى أسباب ذلك، فإذا غلط الولد وكل إلى أمه التربية، فيحاول أن يترك الأمر للوالدة هي التي تضرب إذا كانت حكيمة عاقلة.
كذلك أيضاً الوالدة إذا كانت سيئة في أسلوب التربية، وتضرب بشدة، وتبالغ في استخدام هذا الأسلوب، هنا ينبغي على الوالد أن يتدخل، وأن يكف يدها، وأن يمنعها ويزجرها ويخوفها بالله عز وجل.
قال أحد الصحابة: (يا رسول الله! إن لي موالي آمرهم فيعصونني، وأنهاهم فيخالفونني، فأضربهم وأسبهم فماذا تأمرني: قال: إذا كان يوم القيامة نظر في أمرك وعصيانهم، وضربك لهم، ثم اقتص منك ومنهم، فتولى يبكي وقال: أشهدك يا رسول الله: أنهم أحرارٌ لوجه الله) .
فما دام الأمر فيه قصاصاً، وفيه مسئولية وفيه محاسبة؛ (أشهدكَ أنهم أحرار لوجه الله) ؛ ولذلك لما مر عليه الصلاة والسلام على بعض أصحابه رضي الله عنهم، وهو يضرب مولىً من مواليه، قال: فإذا بي أسمع صوتاً وراء ظهري فقال: (اعلم أبا مسعود لله أقدر عليك فنظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! أشهدك أنه حرٌ لوجه الله) .
فليعلم العبد أن الله يحاسبه عن هذه الذرية التي وصفها الله بأنها ذرية ضعيفة، فهذا رجل مولى قوي ويستطيع أن يصبر ويتحمل ومع ذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ضربه، فكيف بالأبناء والبنات الضعفاء؟! يقول بعض الحكماء: إن الإغراق في الضرب يجعل عند الصبي شيء من الجنون؛ لأنه لا يستطيع أن يركز، قد تكون عنده شهوة قوية وقد يكون عنده فضول، وقد يكون عنده شيء من التوجه النفسي الذي لا يُحسن فهمه، فينظر على أنه مجرم وأنه عاصٍ، فيعاقبُ فيصبح في تيه، يرى شدة العقوبة، ويرى نفسه تبعثه لا شعورياً إلى الشيء، فيصبح في تيه، وقد يتولد عنده شيء من النفاق بحيث إذا وجدت العقوبة امتنع، وإذا زالت العقوبة فعل، فالأمر يحتاج إلى شيءٍ من بعد النظر، يحتاج إلى شيءٍ من تقوى الله، ويحتاج إلى شيءٍ من الأخذ بالأسباب، ولا نستطيع أن نضع ضابطاً في ذلك، حتى الذين يقومون على وضع برامج للتربية تحار عقولهم في مثل هذا، الناس يختلفون، والأوضاع تختلف، والبيئات تختلف، ولذلك من الصعوبة أن يوضع شيءٌ معين، أما كون الضرب وسيلة، نعم وسيلة، ليعلم أن هناك حساباً وهناك مسئولية، وينبغي على الإنسان إذا أراد أن يستخدمه أن يتقي الله عز وجل وأن يسدد ويقارب، والله تعالى أعلم.