للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما أمة الإجابة فهم الذين آمنوا به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصدّقوه واتّبعوه.

"من أمر الجاهلية" المراد بالجاهلية: ما قبل الإسلام، سُمي جاهلية من الجهل وهو عدم العلم، لخلو هذا الوقت -وقت الفتْرة- من آثار الرسالات السماوية، لأن بين بِعثة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين عيسى- آخر أنبياء بني إسرائيل- أربعمائة سنة وزيادة، كانتْ قد اندثرتْ فيها آثار الرسالات، ونظر الله إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلاَّ بقايا من أهل الكتاب انقرضوا قبل البِعثة.

فهذا الوقت الذي قبل الإسلام سمّي بالجاهلية لعدم وجود العلم فيه.

أما ما بعد الإسلام فلا يقال له: جاهلية، لأن الجاهلية زالت والحمد لله بالإسلام، والعلم موجود، ورّثه الرسول لله، فبعد بعثة هذا الرسول زالت الجاهلية العامّة، أما بقايا من الجاهلية أو خصال من أمور الجاهلية فقد تبْقى في أفراد من الناس أو طوائف من الناس المسلمين، لكن أن يقال: الناس كلهم في جاهلية -كما يطلقه بعض الكتّاب الجهال- فهذا باطل.

فقد يُبالغ بعض الكُتّاب الجُهّال فيصفون هذا الوقت بوقت الجاهلية، فيقول بعضهم: "جاهلية القرن العشرين"، وهذا تعبير خاطئ، وقول باطل، كما نبّه على هذا شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: "اقتضاء الصراط المستقيم".

فقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية" دلّ على أنه تبقى أشياء من الجاهلية تتسرّب في الناس، وقد تكون في بعض المؤمنين الصادقين.

وقد تكثُر الجاهلية في بعض الأشخاص وتعظُم، ولكنه لا يخرج بها من الإسلام ما دام أنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولم يشرك بالله، ولم يرتكب ناقضاً من نواقض الإسلام، فليس كل من فيه جاهلية يكون كافراً.

فالحاصل؛ أن المبالغات في وصف الزمان بأنه جاهلية والناس كلهم في جاهلية؛ فهذا باطل، ولا يصدُر من عالم محقِّق، إنما يصدُر من بعض الجُهّال.

وقوله: "من أمر الجاهلية لا يتركونهن" دلّ هذا على مسألتين.

الأولى: يُنسب إلى الجاهلية، وعلى أنه محرّم، لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر هذا من باب الذم والتحذير منه، وقال الله تعالى لنساء نبيه: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>