للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الباب الثاني والثلاثون:]

* باب قول الله تعالى:

{إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥) } .

ــ

هذا الباب عقده الشيخ رحمه الله في موضوع الخوف.

والخوف من الله هو أحد ركائز العبادة، كما سبق أن المحبة والخوف والرجاء أعظم أنواع العبادة، وهي أعمال قلبية، فلما ذكر المحبة في الباب السابق ذكر في هذا الباب الخوف؛ ليدلّ على أن المحبة لا تكفي وحدها، لأن التعبُّد بالمحبة وحدها منهج الصوفية الضُلاّل، أما منهج الرسل وأتباعهم فإنه ينبني على المحبة والخوف والرجاء، محبة الله سبحانه مع خوفه ورجائه وغير ذلك من أعمال القلوب كالتوكُّل والرغبة والرهبة والخشية كل هذه من أعمال القلوب، وهي عباداتٌ عظيمة.

والخوف ثلاثة أنواع:

النوع الأول: خوف السر وهو الخوف الذي يكون معه عبادة لغير الله أو ترك لما أوجب الله. ومعناه: أن يخاف الإنسان من غير الله من الأصنام والأوثان وما عُبد من دون الله، من القبور والأضرحة، أو يخاف الشياطين والجن، ويتقرّب إليهم بما يحبون من الشرك بالله من أجل أن يسلَم من شرهم، فهذا شركٌ أكبر يُخرج من الملّة، والله سبحانه وتعالى ذكر عن خليله إبراهيم عليه السلام أنه قال: {وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً} ، ثمّ قال بعد ذلك: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً} كأنهم توعّدوه بآلهتهم ومعبوداتهم أن تصيبه. فهذا ردٌّ عليهم، كيف لا تخافون من الله وأنتم تهدِّدونني بأن أخاف من معبوداتكم التي لا تُغني عني شيئاً، {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} هل هو أنا الذي أعبد الله وحده لا شريك له، أو أنتم الذين أشركتم؟.

ثمّ ذكر الله الحكم في ذلك فقال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٨٢) } والظلم معناه هنا: الشرك، فبيّن أنّ الأمن إنما يحصل لأهل التّوحيد، وأما المشركون فليس لهم أمن، وليس لهم إلاَّ العذاب، هذا حكم من الله سبحانه وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>