للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الباب الثالث والأربعون:]

* باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله

عن ابن عمر: أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا تحلفوا بآبائكم، من حلف بالله فليَصْدُق، ومن حُلِف له بالله فليرض، ومن لم يرض فليس من الله " رواه ابنُ ماجه، بسند حسن.

ــ

قوله: "باب ما جاء فيمن لم يَقنع بالحلف بالله" يعني "ما جاء فيه من الوعيد، وأنّه ينقِّص التّوحيد، لأنّ الذي لا يقنع بالحلف بالله لا يعظِّم الله سبحانه وتعالى حق التّعظيم، لأنّه لو كان يعظِّم الله حقّ التعظيم لرضيَ بالحلف به، فكونه لا يرضى ولا يقنع بالحلف بالله دليلٌ على نُقصان تعظيمه لله، وهذا ينقِّص التوحيد، كما أنّ كمال تعظيم الله كمالٌ في التّوحيد.

هذا وجه المناسبة لعقد هذا الباب في كتاب التوحيد.

ثم ذكر الحديث عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا تحلفوا بآبائكم" سبق في الباب الذي قبله النهي عن الحلف بغير الله، وأنه شرك أو كفر، كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَن حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك"، لأنّ الحلف تعظيمٌ للمحلوف به، ومَن عظّم غيرَ الله بالحلف به فإنّ هذا شركٌ بالله عزّ وجلّ، وهو يختلف باختلاف الحالفين: من كان يعظِّم المحلوف به كما يعظِّم الله فهو شركٌ أكبر، ومن كان لا يعظِّمه كتعظيم الله بل عنده نوعُ تعظيم لا يساوي تعظيم الله، فإنّه يكون شركاً أصغر.

وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تحلفوا بآبائكم" ليس هذا خاصًّا بالآباء، فالحلف بغير الله لا يجوز، سواء كان بالآباء أو بغيرهم، وسواء كان بالآدميِّين من الرُّسل والصالحين، أو كان بالكعبة، أو غير ذلك، فالمخلوق لا يجوز له أن يحلف إلاّ بالله عزّ وجلّ، فذكره الآباء هو من باب ذكر بعض أفراد المنهي عنه، لأنّ عادتهم أن يحلفوا بالآباء.

قوله: "ومن حلف بالله فليصدُق " هذا أمرٌ من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّ الحالف بالله يجب عليه أن يصدُق، فلا يحلف بالله كاذباً، لأنّ من حلف بالله وهو كاذب فقد استهان

<<  <  ج: ص:  >  >>