للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الباب الرابع والعشرون:]

* باب ما جاء في السحر

ــ

مناسبة هذا الباب للأبواب السابقة: أن الشَّيخ رحمه الله في الأبواب السابقة ذكر أنواعاً من الشرك، ووسائل الشرك.

ولما كان السحر نوعاً من أنواع الشرك عقد له هذا الثالث؟ لأن السحر لا يمكن الوصول إليه إلاَّ عن طريق الشياطين، فالسحرة يخضعون للشياطين، ويستعينون بهم في سحرهم، وهذا شرك بالله عزّ وجلّ.

والسحر في اللغة هو: كل ما لَطُفَ وخَفِيَ سببه، ومنه سُمّي السَّحَر سَحَراً في آخر الليل، لأنه خفيٌّ وكل ما لَطُف يعني: دقّ، وخَفِيَ سببه عن النّاس يُسمّى سحراً في اللغة، ومنه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن من البيان لسحراً" البيان معناه: الكلام البليغ، لأنه يستميل النفوس ويؤثّر فيها كما يؤثر السحر، إلاَّ أنه ليس حراماً وكذلك النميمة، سُميّت سحراً١ لأنها تعمل عمل السحر في الإفساد بين الناس، وأحداث البغضاء في القلوب، وإن لم تكن سحراً في الحقيقة، لكنها سحر لغوي، هذا تعريف السحر في اللغة.

أما تعريفه في الشرع: فالسحر عبارة عن عزائم ورُقى وعُقد يؤثر في بدن المسحور بالقتل أو بالمرض، أو بالإخلال بعقله، أو يفرِّق بين الزوجين، أو يأخذ الزوج عن زوجته فلا يستطيع الوصول إليها، قال تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (٤) } يعني: السواحر.

فالساحر يعقد العقد بالخيط ثمّ ينفث فيها من ريقه، ويستعين بالشيطان، ويؤثِّر هذا بإذن الله في المسحور إما قتلاً، وإما مرضاً، وإما تفريقاً بينه وبين حبيبه، وإما أن يمنعه عن زوجته فلا يستطيع الوصول إليها.

وقد سُحر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ٢، وأثر فيه السحر، وصار- عليه الصلاة والسلام - يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يكن فعله، ورقاه جبريل فبرئ بإذن الله.


١ في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ألا أنبئكم ما العضة - يعني السحر- هي النميمة القالة بين الناس".
٢ كما في الصحيح ولا عبرة بمن أنكر ذلك من العقلانيين لأن السحر مرض والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشر يجري عليه ما يجري على البشر من الأمراض.

<<  <  ج: ص:  >  >>