للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المشرق قالبًا للتعبير عن أحاسيس الشاعر وتجاربه، وعن قضايا وطنه وأهم أحداث عصره١، وعرفنا كذلك أن هذا الاتجاه لم يكن وقت ظهوره على يد البارودي هو الاتجاه الشعري الوحيد، بل لم يكن الاتجاه الفني الغالب، وإنما كانت الغلبة لذلك الاتجاه التقليدي الجامد، الذي كان يمثله شعراء عديدون، تقيدهم -عادة- بقايا أغلال العصر التركي والمملوكي، وتكبل شعرهم -غالبًا- ألوان من الألاعيب اللفظية والمحسنات المتكلفة، لتستر ضحالة الموضوعات، وفقر الأفكار، وبرودة المشاعر، وتهافت الأسلوب٢.

ونضيف الآن، أن هذا الاتجاه المحافظ البياني، قد أخذ يقوى عوده رويدًا رويدًا، على يد الجيل الذي خلف البارودي، حتى استحصد في هذه الفترة التي نسوق عنها الحديث، بل حتى سيطر سيطرة توشك أن تكون تامة، ومن هنا اختفى -أو كاد- ذاك الاتجاه التقليدي الجامد، وأصبح الاتجاه الذي يملأ الحياة الأدبية هو هذا الاتجاه المحافظ البياني الحي، الذي راد طريقه البارودي في الفترة السابقة، وأصبح جيل الشعراء في هذه الفترة، يسيرون في نفس اتجاهه، ويترسمون خطاه؛ فإسماعيل صبري٣، وأحمد شوقي٤،


١ اقرأ ما كتب عن الشعر في الفصل السابق -مبحث الشعر، المقال ٢- ظهور البياني المحافظ.
٢ اقرأ ما كتب عن ذلك في الفصل السابق -مبحث الشعر، المقال ١- الاتجاه التقليدي، وبعض لمحات التجديد.
٣ اقرأ ترجمة موجزة له في مبحث الشعر بالفصل السابق المقال ٢ "هامش".
٤ ولد شوقي سنة ١٨٦٩، ونشأ في بيئة أرستقراطية، وتعلم في مدارس القاهرة الابتدائية والثانوية، ثم التحق بمدرسة الحقوق، وتخرج في قسم الترجمة سنة ١٨٨٧، فعين بالقصر في عهد توفيق، ثم أرسل في بعثه إلى فرنسا ليدرس الحقوق، فدخل مدرسة "مونبلييه" ودرس بها عامين، ثم انتقل إلى باريس، وظل بها عامين آخرين، حتى حصل على إجازة الحقوق، وأتيح له أن يطوف في فرنسا وأن يزور إنجلترا، ثم عاد إلى مصر فعمل رئيسًا للقسم الإفرنجي بالقصر، وكان من =

<<  <   >  >>