أما فيما يتعلق بالسلطة الغاشمة الأخرى التي كانت جاثمة على صدر البلاد في تلك الفترة، وهي سلطة الاحتلال، فيلاحظ أن كبار الشعراء كانوا حيالها في عداء، واستنكار كما كانوا ضدها في نضال، غير أنهم كانوا في عدائهم واستنكارهم ونضالهم طائفتين، طائفة صريحة العداء مستمرة الاستنكار دائمة النضال، وأخرى تريد أن تكون كذلك، ولكن ظروف حياتها، وطبيعتها التي تؤثر السلامة، ولا تقوى على الفداء تحول بينها وبين ما تريد، فهي تجاهر بمعاداة الاحتلال، وتصرح باستنكاره، وتخوض معركة نضاله، ولكن حين تأمن مغبة ذلك، ولا تخاف عاقبة ما تقول، ثم هي تضمر العداء وتكتم الاستنكار وتكف عن النضال حين تتوقع شرًّا يمس المنصب، أو الرزق أو الذات بأذى، بل ربما تتورط هذه الطائفة فيما هو أقبح من ستر الخصومة للاحتلال، وكتم الاستنكار لوجوده وكف النضال لقواه؛ فتصرح أحيانًا بمهادنته والإفادة منه، أو تتردى فيما هو أشنع من ذلك، فتمدحه بعض المرات وتثني عليه.
وقد كان يمثل الطائفة الأولى علي الغاياتي وأحمد محرم، فالغاياتي دائم التنديد بالاحتلال ومخلبه الخديو، دائم الحث للوطنيين على النهوض والثورة، ومن ذلك قوله:
وعداة ملكوا الأمر ولم ... يحفظوا للشعب في حق ذمامًا
وولاة أقسموا أن يسجدوا ... كلما رام العدا منهم مراما
رب ماذا يصنع المصري إن ... جاوز الصبر مدى الصبر فقاما
طال يوم الظلم في مصر ولم ... نَدْرِ بعد اليوم للعدل مقاما١
ومنه أيضًا قوله مهاجمًا وزارة بطرس غالي الذي ولاه الاحتلال رئيسًا للوزارة: