للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مصر وقت حدوثها١؛ فالشيء الذي لا شك فيه أن الحادثة كانت من البشاعة بحيث تثير كل من له حظ ولو ضئيل من الإحساس، فضلًا عن شاعر كبير، ويستوي في ذلك أن يكون الشاعر في مصر أو خارج مصر، بل ربما كان وجوده يومها خارج البلاد، أدعى لتأثره وهز وجدانه؛ فمن جرب البعد عن الوطن يعرف كيف تهزه مآسيه أضعاف ما تهزه وهو على أرض بلاده، وحسبنا أن نعرف أن الكاتب البريطاني "برناردشو"، قد هزته حادثة دنشواي، فكتب منددًا بجناتها، مدافعًا عن المصريين فيها، وهو أجنبي، بل هو من أبناء أمة الاحتلال الآثمة في الحادث المشئوم٢.

ولنفس السبب الذي أسكت شوقي عامًا عن حادث دنشواي، نراه يسكت مدة عن رثاء مصطفى كامل؛ فلا يرثيه يوم وفاته كغيره من كبار الشعراء، ولا يرثيه بعد أيام تسمح بعمل قصيدة في رثاء صديق ومجاهد كبير، وإنما يرثيه بعد نحو أسبوعين٣، ولا يعرض في رثاء لوطنية المرئى ومحاربته للاحتلال والاستبداد، وإنما يدير الحديث حول شبابه الذي ذوى، ويردد تكهنات الناس عن سبب وفاته، ويعدد من أمجاده القدرة الخطابية، والدعوة إلى الإصلاح الخلقي والعلمي، وما إلى ذلك، وفي هذا يقول:

أبكي صباك ولا أعاتب من جنى ... هذا عليه كرامة للجاني

يتساءلون أبا السلال قضيت أم ... بالقلب أم هل مت بالسرطان

الله يشهد أن موتك بالجحا ... والجد والإقدام والعرفان

إن كان للأخلاق ركن قائم ... في هذه الدنيا فأنت البانى

هل قام قبلك للمدائن فاتح ... غاز بغير مهند وسنان

يدعو إلى العلم الشريف وعنده ... أن العلوم دعائم العمران٤


١ وطنية شوقي للدكتور أحمد الحوفي ص ١٦٩-١٧٠.
٢ جاء حديث برناردشو عن دانشواي في مقدمة مسرحيته "جزيرة جون بول الأخرى" john bull s other island.
انظر: برناردشو للأستاذ أحمد زكي ص ١٩٣، وما بعدها.
٣ وطنية شوقي ص ١٠١.
٤ الشوقيات جـ٣ ص ١٥٧-١٥٨.

<<  <   >  >>