والحق أن الشعراء المحافظين قد انتقلوا بالشعر تمامًا من طور الجمود، والمحاكاة الذي تقوقع فيه خلال عهود التخلف، إلى طور التصرف والابتكار، الذي بدأ يتلمسه مع محاولات الباوردي، فلم يعد مع هؤلاء الشعراء المحافظين مجال لهذا الشعر الركيك المتهافت، الذي كان كرفات بلا روح، في أكفان مطرزة بالمحسنات اللفظية والألاعيب اللغوية، بل إن الشعر قد وصل مع هؤلاء المحافظين إلى أسمى الدرجات من حيث جلال الصياغة، وروعة البيان، كما عبر بنجاح عن تجارب الشعراء الذاتية، وقضايا وطنهم الحية، وسجل بعض أحداث عالمهم الكبيرة، وأبرز ما يسجل له بالثناء، إسهامه في معركة النضال، التي تعددت ميادينها ما بين سياسة واجتماعية وثقافية، مما يدل على استجابة الشعراء لروح العصر، ووعيهم لمشكلاته وإدراكهم لدور الفن في خدمة الحياة، ولدور الشعر بخاصة في مراحل النضال.
ولكن الحق أيضًا أن هؤلاء الشعراء المحافظين قد وقفوا بالفن الشعري عند مرحلة اتخاذ النماذج القديمة الجيدة مثلًا أعلى. فهم -إلى معارضتهم العديدة لشعراء أقدمين- قد حافظوا إلى حد كبير، على التقاليد الشعرية المتصلة بمنهج القصيدة، وأسلوب الشعر ومعانيه وصوره، وبهذا وقفوا عند تلك المرحلة التي وصل إليها البارودي، والتي كانت مرحلة ضرورية في طريق تطور الشعر العربي، هذا وإن كانوا قد أوضحوا معالم طريقة البارودي، وزادوها صقلًا وتطويعًا لمطالب العصر، ولكن مع الاحتفاظ بروح الطريقة، والسير على هداها.
ومن هنا يمكن أن يقلل: إن هؤلاء الشعراء المحافظين كانوا -إلى درجة كبيرة- يتمسكون بعمود الشعر العربي، أي بتلك المجموعة من التقاليد الفنية، التي كان يسير عليها الشعراء الكبار الأقدمون، والتي حاول