للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى الرغم من أن المؤسسات الرسمية السالفة الذكر قد أقامها الاحتلال أول الأمر للتمويه بأن الأمة تشارك في حكم نفسها؛ قد استطاع المخلصون من الوطنيين أن يتخذوا منها منبرًا لنقد الحكومة، وفضح ألاعيب الاحتلال، كما استطاعوا أن يكونوا معارضة قوية تقف في وجه كل ما يرونه ضارًّا بمصلحة البلاد من مشروعات، فقد تصدوا لمشروع مد امتياز شركة قناة السويس، وهاجموا قانون المطبوعات، الذي كان الهدف منه كبت الحريات، وحملوا الحكومة على إعادة اللغة العربية لغة للتعليم في المدارس، إلى غير ذلك من الوقفات الجريئة التي كانت الخطابة لسانها الناطق، وسلاحها الباتر١.

وطبيعي أن أعضاء تلك المؤسسات السياسية رسمية، لم يكونوا جميعًا من المعارضين بل كان فيهم -بحكم التنظيم الديمقراطي في ذلك الحين- ممثلون للحكومة يدافعون عن مشروعاتها أمام المعارضين، ومن هنا ظهر من الطرفين خطباء مفوهون، وكان من ألمع الخطباء الحكوميين سعد زغلول، وفتحي زغلول٢.

هذا في المجال الرسمي، أما في المجال الشعبي، فقد كان الميدان أرحب؛ إذا رأينا زعماء الحزبين الكبيرين يخوضون معركة النضال أكثر جرأة، وأعظم انطلاقًا؛ لأنهم لم يكونوا مقيدين برسوم ومواضعات، ولوائح تحد من نشاطهم، وتلجم بعض الشيء ألسنتهم، فهم لا يتحرجون تحرج الخطباء الرسميين من التنديد بالاحتلال والهجوم على المحتلين، وإنما يوجهون جل نشاطهم إلى هذا الميدان من ميادين النضال، وليس من شك في أن زعماء الحزب الوطني قد كانوا في تلك الفترة أكثر جنود هذا اللون ممن ألوان النضال حماسة، وأقواهم شكيمة، ويأتي في مقدمة هؤلاء جميعًا


١ المصدر السابق ص٢٩٢، وما بعدها "النسخة المكتوبة على الآلة الكاتبة".
٢ المصدر السابق.

<<  <   >  >>