للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم تكن المسألة متعلقة بالكم فحسب، بل قد شملت الكيف أيضًا، حيث لم تعد الخطابة في هذه الفترة في نفس المستوى الفني الذي كانت عليه في الفترة السابقة، والذي يتمثل في خطب رجل كعبد الله النديم، لقد عرفت الخطابة في هذه الفترة -زيادة على ما عرفته في الفترة السابقة- ثقافة أعمق وفكرًا أنضج، واتصالًا بالمعارف السياسية والمباحث الاجتماعية، والمواد الدستورية والقانونية. وقد أمدها كل ذلك بحيوية أكثر وفاعلية أقوى، ومنحها قيمة فنية أعلى. وبالإضافة إلى ذلك كله، قد زاد بعد الخطابة عن المحسنات والزخرف، وقوى اتصالها بالأصالة والإبداع والموضوعية، ومن هنا يعتبر كثير من خطب تلك الفترة، التي خلفها مصطفى كامل، وسعد زغلول وغيرهما نماذج أدبية ممتازة للخطابة.

وغني عن الإيضاح أن نقول: إن الخطابة قد اختلفت أساليبها -بعد ذلك- باختلاف ميادينها أولًا، ثم باختلاف الخطباء وطبيعتهم وثقافتهم ثانيًا. فعلى حين كان رجل مصطفى كامل يميل في خطبه إلى العاطفية والمصارحة والعنف. كان أخر كسعد زغلول يميل إلى الذكاء والمراوغة واللباقة، هذا في الوقت الذي يجنح ثالث كلطفي السيد إلى الموضوعية، والمنطقية والعمق. على أن التعرف الكامل على خصائص كل يحتاج إلى دراسة مستقلة١، وحسبنا هنا معرفة الخصائص المشتركة التي تمس الخطابة بوجه عام، والتي سبق إيضاحها بما سمح به المقام في هذه السطور، ويمكن أن يقرب خصائص الخطابة السياسية هذا النموذج من خطب مصطفى كامل.

قال في حفل وطني بالإسكندرية سنة ١٩٠٠:

"سادتي وأبناء وطني الأعزاء، كلما جئت إلى الإسكندرية، ورأيت هذه الحياة الحقيقية التي جعلت لكم مقامًا محمودًا بين بني مصر، أعود


١ اقرأ الدراسة التي كتبها عبد الصبور مرزوق بعنوان "الخطابة السياسية في مصر من الاحتلال البريطاني إلى إعلان الحماية" "رسالة ماجستير مكتوبة على الآلة الكاتبة".

<<  <   >  >>