للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شاعرًا بان في هذه المدينة الزاهرة أساتذة في الوطنية، عنهم تؤخذ دروس محبة الأوطان، ومنهم تعرف الأمة حقوقها وواجباتها، وهذا ما أخرني في السنين الأخيرة عن الوقوف أمامكم هذا الموقف، ومناجاتكم في شئون الوطن العزيز. ولكني أشعر بأن تبادل الميول، وانتقال العواطف الطاهرة من فؤاد إلى فؤاد، واجتماع القلوب في وقت واحد حول آمال واحدة، وسريان روح مشتركة في المجموع العظيم، مما يزيدنا اعتقادًا على اعتقاد، وحبًّا للديار على حب، ويخفف حب، ويخفف عن الوطن المقدس آلام مصائبه العظام.

".. إني أشد الناس أملا في مستقبل أمتي وبلادي، وأرى الشعب الذي أنا منه جديرًا بالرفعة والسمو، حقيقا بالمجد والحرية والاستقلال.

ولولا هذا الأمل وهذا الاعتقاد، لكنت فارقت الحياة، وتركت الدنيا غير آسف على أحد، وكيف لا أكون ذا أمل، وهذه أمتي أجد فيها روحًا جديدة، وحياة صادقة، ووطنية ناشئة قوية؟ ومن منكم لا يرى ما أرى؟ هل ينكر أحد شعور الأمة بحالها وانتباهها من رقدتها، وقيامها من وهدتها وعملها لخيرها، وسعادتها؟!

" ... قد يظن بعض الناس أن الدين ينافي الوطنية، أو أن الدعوة إلى الدين ليست من الوطنية في شيء؟ ولكني أرى أن الدين والوطنية توأمان متلازمان، وأن الرجل الذي يتمكن الدين من فؤاده، يحب وطنه حبًّا صادقًا، ويفديه بروحه وما تملك يداه، وليست فيما أقول معتمدًا على أقوال السالفين، الذين ربما اتهمهم أبناء العصر الحديث بالتعصب والجهالة، ولكني أستشهد على صحة هذا المبدأ بكلمة "بسمارك" أكبر ساسة هذا العصر، وهو خير رجل خدم بلاده ورفع شأنها، فقد قال هذا الرجل العظيم بأعلى صوته: "لو نزعتم العقيدة من فؤادي لنزعتم محبة الوطن معها١ ... ".

ولعل مما يزيد الأمر إيضاحًا هذين النموذجين الآخرين للخطابة القضائية في تلك الفترة, وأولهما جزء من مرافعة ثروت حين كان ممثلًا للنيابة في قضية


١ انظر: مصطفى كامل لعبد الرحمن الرافعي ص١٤٦-١٤٧.

<<  <   >  >>