".. إن الوطنية التي يدعي الدفاع عنها بهذا السلاح المسموم لبراء من هذا المنكر، إن الوطنية الصحيحة لا تحل في قلب ملأته مبادئ تستحل اغتيال النفس. إن مثل هذه المبادئ مقوضة لكل اجتماع".
"وماذا يكون حال أمة إذا كان حياة أولي الأمر فيها رهينة حكم متهوس، يبيت ليلة فيضطرب نومه وتكثر هواجسه، فيصبح صباحه ويحمل سلاحه، يغشاهم في دار أعمالهم، فيسقيهم كأس المنون؟ ثم إذا سئل في ذلك تبجح وقال: إنما أخدم وطني! لأن أعتقد أن مثلهم خائنون للبلاد ضارون بها".
"تبًّا لتلك المبادئ وسحقًا لها، كيف تقوم لنظام قائمة مع تلك المبادئ الفاسدة؟ إن مبادئ كل اجتماع، ألا ينال إنسان جزاء على عمل مهما كان هذا الجزاء صغيرًا، إلا على يد قضاة اشترطت فيهم ضمانات قوية، وبعد أن يتمكن من الدفاع عن نفسه، حتى ينتج الجزاء النتيجة الصالحة التي وضع لها من حماية الاجتماع، فإذا كان هذا هو الشأن في أقل جزاء يلحق بالنفس أو بالمال، فما بالك بجزاء هو إزهاق الروح والحرمان من الحياة؟
"تلك مبادئ لا وجود المجتمع إلا بها، ولا سعادة له بدونها؛ فالطمأنينة على المال والنفس هي أساس العمران، ومن الدعائم التي بني عليها في كل زمان ومكان، ولكن الورداني له مذهب آخر في الاجتماع، فهو يضع نفسه موضع الحكم على أعمال الرجال، فما ارتضاه فيها كان هو النافع، وما لم يرتضه كان هو الضار، ويريد أيضًا أن يكون القاضي الذي يقدر الجزاء، ثم يقضي به عن غير معقب ولا راد.
" ... إن مثل هذا الحق لا يمكن أن يكون إلا الله سبحانه وتعالى، المطلع على السرائر، العليم بالنيات، ومع ذلك فإنه جل شأنه شرع الحساب قبل العقاب، ثم إن هذا الحق لم يتطلع إليه أحد من العالمين