للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على هذا النوع الأدبي منذ ميلاده؛ تلك الروح التي رأيناها توجه كل الأنواع الأدبية إلى نواحي النضال من أجل من حياة مصرية أفضل، وقد كانت القصة القصيرة كسبًا لهذا الميدان النضالي وخاصة في الميدان الاجتماعي؛ لارتباطها بالواقع بحكم طبيعتها الفنية.. وهذه قصة "في القطار".

"صباح ناصع الجبين يجلي عن القلب الحزين ظلماته، ويرد الشيخ شبابه، ونسيم عليل ينعش الأفئدة، ويسري عن النفس همومها، وفي الحديقة تتمايل الأشجار يمنة ويسرة، وكأنها ترقص لقدوم الصباح، والناس تسير في الطريق، وقد دبت في نفوسهم حرارة العمل، وأنا مكتئب النفس، أنظر من النافذة الجمال الطبيعة، وأسأل نفسي عن سر اكتئابها فلا اهتدى لشيء، وتناولت ديوان "موسيه"، وحاولت القراءة فلم أنجح، فألقيت به على الخوان، وجلست على مقعد واستسلمت للتفكير، كأنني فريسة بين مخالب الدهر.

"مكثت حينًا أفكر، ثم نهضت واقفًا، وتناولت عصاي وغادرت منزلي، وسرت وأنا لا أعلم إلي أي مكان تقودني قدماي، إلى أن وصلت إلى محطة باب الحديد، وهناك وقفت مفكرًا، ثم اهتديت للسفر ترويحًا للنفس، وابتعت تذكرة، وركبت القطار للضيعة، لأقضي فيها نهاري بأكمله.

"وجلست في إحدى عربات القطار بجوار النافذة، ولم يكن أحد سواي، وما لبثت في مكاني حتى سمعت صوت بائع الجرائد يطن في أذني: "وادي النيل، الأهرام، المقطم"، فابتعت إحداها وهممت بالقراءة، وإذا باب الغرقة قد انفتح، وخل شيخ من المعممين، أسمر اللون طويل القامة نحيف القوام كث اللحية، له عينان أقفل أجفانها الكسل، فكأنه لم يستيقظ من نومه بعد، وجلس الأستاذ غير بعيد عني، وخلع مركوبه الأحمر، قبل أن يتربع على المقعد، ثم بصق على الأرض ثلاثًا، ماسحًا شفتيه بمنديل أحمر، يصلح أن يكون غطاء لطفل صغير، ثم أخرج من جيبه مسبحة ذات مائة حبة وحبة، وجعل يردد اسم الله، والنبي والصحابة والأولياء

<<  <   >  >>