للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهناك ملاحظات على تلك الحركة الثقافية التي كانت في عهد محمد علي، منها أنها دارت -قبل كل شيء- حول الجيش، ولم تتجه أساسًا إلى إضاءة الحياة المدنية، ومنها أنه عنيت أولًا بأبناء الأتراك والمماليك، وكان حظ أبناء الشعب منها ضئيلًا، ومنها أنها اهتمت -أكثر ما اهتمت- بالجوانب العملية والمادية، ولم تعط إلا القليل للجوانب النظرية والأدبية.

ولهذا كله لم يكن تأثير تلك الحركة الثقافية على الحياة الفكرية والأدبية قويًّا، وخاصة إذا ذكرنا أن الشعب كان في ذاك العهد يعاني من سوء الحالة الاقتصادية ما لا يمكنه أن يفرغ لفكر أو يقبل على أدب؛ فقد نزع محمد علي الأرض من يد الفلاحين، وأصبح هو المالك لكل شيء، أما الناس عنده فهم أشبه بآلات تعمل لتنتج له ما يرضي طمعه، كما كان الوالي هو صاحب الأمر في كل شيء، وليس للشعب رأي في أمور بلده، بعد نفي الزعامات الشعبية واضطهاد العناصر الوطنية، وحكم الشعب حكمًا استبداديًّا غاشمًا.

وأهم الثمار التي جنيت من هذه الحركة الثقافية هي ظهور جماعة من المثقفين المصريين، الذين نهلوا من ثقافة الغرب وعرفوا لغته وبعض أدبه، وأصبحوا يمثلون -آخر الأمر- لونًا جديدًا إلى جانب اللون التقليدي الممثل في علماء الأزهر حينذاك، وهؤلاء المثقفون الجدد سيقومون هم، وتلاميذهم بريادة التيار الثقافي الجديد، والتبشير بحياة أدبية جديدة، رغم ما حدث من تعويق وانتكاس في عهدي عباس، وسعيد على ما سبقت الإشارة إليه١.

وربما كان من ثمار تلك الحركة كذلك، انتعاش اللغة العربية بعض الانتعاش، وتجددها بعض التجدد، وذلك؛ لأنها أصبحت لغة العلوم الحديثة ولغة الصحافة الجديدة، ووسيلة الأفكار والنظم الوافدة، فاتسعت للمصطلحات العلمية والفنية، ومالت أكثر إلى الموضوعية، وتخلصت نوعًا من الركاكة والتكلف. وربما كانت تلك بداية اللغة العربية الحديثة المتطورة٢.


١ اقرأ الهامش السابق.
٢ تطور الرواية العربية للدكتور عبد المحسن بدر ص٢١.

<<  <   >  >>