للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شجرة الدر: "بصوت هادئ" يا مرحبًا بك يا ركن الدين.

بيبرس: لمثل هذا الصوت فزعت نفسي، إلى مثل هذا الحنان تطلع قلبي، إلى مثل هذه النظرة المشفقة ظمأت روحي. املكي عني أساي، املكي عني دمعة عيني "يضع وجهه بين راحتيه" إني أكاد أجن يا أختاه "تخنقه العبرات".

شجرة الدر: روح عنك يا ركن الدين، أتيأس من رحمة الله؟..

بيبرس: آه يا مولاتي. لقد بحثت عن صفية في كل مكان، لكني لم أوفق إلى خبر عنها، سألت البوادي والقفار، وفتشت الخرائب والديار، فلم تحر جوابًا، ولقد طالما تمثلتها في سفرتي تستصرخ، فأصرخ من أعماق قلبي: لبيك..لبيك.. ثم أنتبه فلا يجيبني إلا الصدى، حتى تغشاني غاشية جنون، فأهيم على وجهي في البراري.. ثم أصرخ:.. ها أنذا، لبيك.. إلى أن أذعرت طير قلبي المسكين بصراخي. وترينني الآن كالطفل، لا يخفف حزني دمعة أذرفها، أو أم آوي إليها. إني أكاد أجن، أجن، أواه ... ١".

وقد رأى بعض النقاد أن إبراهيم رمزي قد عنى في تلك المسرحية بالأسلوب أكثر من عنايته بالمعاني، وذلك لما يرى من جودة أسلوبه وأناقته، وواضح أن هذا الرأي بعيد عن الدقة؛ أسلوب إبراهيم رمزي في مثله هذه المسرحية -برغم جودته والتأنق فيه- أسلوب غزير المعاني نابض بالحركة النفسية، والحركة الدرامية، وتلك الأناقة في اللغة قد أضفت على لغة المسرحية جمالًا، دون أن تنال شيئًا من طبيعة الحوار الفنية، ولا تزال لغة الفصحى الجيدة السبك -حتى اليوم- خير وسيلة للتعبير في المسرحيات التاريخية بنوع خاص٢.


١ المسرح النثري للدكتور مندور الحلقة الأولى ص٣٧-٤١.
٢ المصدر السابق ص٤١.

<<  <   >  >>