للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان بريد العلم عيرًا وأينقا ... متى يعيها الإيجاف في البيد تظلع

فأصبح لا يرضى البخار مطية ... ولا السلك في تياره المتدفع

ونحن كما غنى الأوائل لم نزل ... نغني بأرماح وبيض وأدرع

عرفنا مدى الشيء القديم فهل مدى ... لشيء جديد حاضر النفع ممتع؟! ١

غير أن هذا الإحساس لم يتجاوز هذا الاعتراف من جانب حافظ، وبعض محاولات للتجديد لا تنم عن فهم لحقيقته عند رفاق حافظ، ممن حسبوا أن التجديد هو الحديث عن بعض المخترعات الحديثة، كالقطار والطيارة، وما إلى ذلك، وجعل مجرد الحديث عن هذه الأشياء ثورة على الحديث عن الجمل والناقة مثلًا، مع أن من المقررات أن التجديد لا يكون في تناول شيء جديد فحسب، وإنما في طريقة تناول هذا الشيء، بل في طريقة الإحساس به والوقوف منه، قبل طريقة الحديث عنه، وقد تناول الشعراء المحافظون ما تناولوا من مخترعات حديثة بنفس الطريقة القديمة، التي تتناول الشيء من الخارج، وتعدد مظاهره لونًا وحجمًا وفائدة أو ضررًا، دون أن تتعدى ذلك -في الغالب- إلى وقع هذا الشيء على نفس الشاعر، أو تحاول النفاذ من الحدود الشكلية لهذا الشيء إلى ما وراء اللون والحجم، والمظاهر السطحية، بل أكثر من ذلك، قد عبر الشعراء المحافظون عن هذه المخترعات الحديثة، بتلك الأوصاف والتراكيب، والصور التي ألفت، بل استهلكت في الحديث عن أشياء معرفة في القدم، ومن ذلك قول شوقي في الطيارة:

أعقابٌ في عنان الجو لاح ... أم سحاب فر من هوج الرياح

أم بساط الريح ردته النوى ... بعد ما طوف في الدهر وساح

أو كأن البرج ألقى حوته ... فترامى في السموات الفساح٢


١ ديوان حافظ جـ١ ص١٢٩-١٣٠.
٢ انظر: الشوقيات جـ٢ ص١٩٤.

<<  <   >  >>