للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرسول وبطولاته وغزواته، وربما أراد محرم بهذا العمل أن يطرق بالشعر العربي فن الملحمة، ولكنه في الواقع لم يخرج ملحمة بالمفهوم الفني لهذا الجنس الأدبي، وإن طاب لكثير ممن تحدثوا عن هذا العمل أن يسموه "الإلياذة الإسلامية"١. وذلك أن الملحمة في حقيقتها، وكما عرفت -من أروع نماذجها التي خلفها "هوميروس"- تعتمد أساسًا على الأساطير الشعبية، والبطولات

الخيالية، التي تصل أحيانًا إلى جعل الأبطال في مصاف الآلهة، أو أنصاف الآلهة، وهي لهذا كله لا تعني بالوقائع التاريخية ولا الأحداث الحقيقية، وإنما تعني قبل كل شيء بالخيال الجامح والتصوير الأسطوري، مما كان يرضي ظمأ الجماهير إلى البطولة الخارقة، وتلهفها على الأبطال الخياليين٢.

أما "ديوان مجد الإسلام"، فبرغم اتخاذه سيرة بطل عظيم مادة، وبرغم تسجيله لمعارك وانتصارات باهرات، فإن هذا العمل الشعوي قد التزم الوقائع التاريخية، وسجل الأحداث الحقيقية، ولم يعتمد أصلًا على الأساطير ولم يحكم الخيال؛ ثم هو بعد ذلك قد التزم في البناء الفني شكل القصائد الغنائية المتتالية، التي تؤلف في جملتها ديوانًا ذا موضوع واحد، هو حياة محمد صلى الله عليه وسلم، وبطولاته وغزواته.

وقد درج الشاعر على أن يقدم بين يدي معظم القصائد -بمقدمة نثرية تجمل الأحداث التاريخية التي ستعالج فيما يلي من أبيات، كذلك درج على التزام الوزن والقافية في كل قصيدة تعالج فصلًا، أو موضوعًا معينًا، ثم تغيير الوزن والقافية في القصيدة الأخرى، وهكذا.

ومن هنا نرى أن أهم تجديد في هذا العمل، هو معالجته في ديوان


١ يفهم من المقدمة أن الشاعر لم يطلق على هذا العمل اسم "الإلياذة الإسلامية"، وإنما كان ذلك من إضافات الآخرين. انظر المقدمة ص ي.
٢ انظر: المدخل إلى النقد الأدبي الحديث للدكتور محمد غنيمي هلال ص٧٠، وما بعدها وانظر: الأدب ومذاهبه للدكتور محمد مندور ص٢٢-٢٥.

<<  <   >  >>