للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مما يقع في طريق عابر السبيل، وتقع عليه عينه كل يوم، "كالبيت" و"أصداء الشارع" و"عسكري المرور" و"الفنادق"، و"القطار العابر" و"المصرف" و"المتسول" و"جهات الدكاكين"، وهو خلال حديثه عن هذه الأشياء -التي لا تلفت الشعراء عادة- يستبطن الأسرار التي تحتويها، ويكشف المعاني الإنسانية التي تعكسها، ويستخرج العبر الكونية التي وراءها، فهو يعمل ذهنه وفكره بل فلسفته في أشياء قد تبدو أبعد ما تكون عن الذهن، والفكر والفلسفة، ومن أمثلة ذلك قوله عن "الفنادق" مثلًا:

حسب الفنادق أن تذكرنا ... مر الفناء بكل من يحيا

تبدو الوجوه لعين عابرها ... وتغيب عنه كأنها رؤيا

في كل توديع وتفرقة ... شيء من التوديع للدنيا١

ومن أروع أمثلة هذا الباب في "عابر سبيل"، قول العقاد في "وجهات الدكاكين":

إن الدكاكين التي عرضت ... تلك المطارف تعرض النوبا

تحكي الفواجع كلهن لنا ... صدقًا، ولا تحكي لنا كذبا

هذا الستار، فنح جانبه ... تجد القضاء يهيئ اللعبا

انظر إلى النساج منحنيًا ... يطوي بياض نهاره دأبا

وانظر إلى السمسار مقتصدًا ... أو طامعًا في الربح مغتصبا

وانظر إلى التجار، ما عرفوا ... غير النضار وعده تعبا

وانظر إلى الشارين قد سمحوا ... بالمال يقطر من دم صببا

وانظر تر الحسناء لابسة ... لا تلتمس غير الهوى أربا

لو تعرف الحسناء ما صنعت ... شقت جيوب ردائها رهبا

هذا زمان العرض فانتظروا ... عرضًا يرينا الويل والحربا

بهر النفوس بكل ظاهرة ... وطوى جمال النفس محتجبا

فالويل للعين التي امتلأت ... والويل للقلب الذي نضبا٢


١ انظر: عابر سبيل ص٣٧.
٢ انظر: عابر سبيل ص٢٥.

<<  <   >  >>