للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونراه في موضع آخر يقول: "الملك هو ولي الأمر في الرعية، يأمر وينهى، وأحكام المملكة وقوانينها تجري عليه.. وإذا أساء الاستعمال تغل يده؛ فإن الأهالي سلمته الشرائع وديعة بشرط أن يكون أبًا للرعايا بموافقتها"١.

وهو هنا يوشك أن يسمى عباسًا ويحرض عليه.

وفي موضع ثالث يقول: ".... فالحكمة الإلهية التي أوجدت البرية من العدم. تحب أن تكون بينهم رباطة تربطهم بالاتفاق والاتحاد، وأن يكونوا إخوانًا؛ فإن جميع البشر أبناء رجل واحد، انتشروا في جميع جهات الأرض، فإذا كلهم إخوان، ومحبة الإخوان واجبة، فويل لأهل الجحود الذين يتطلبون الفخار بسفك الدماء"٢.

وفي ذلك ما فيه من دعوة إلى التجميع، وتعريض بالطغاة.

وأخيرًا نلاحظ أهمية أخرى لهذه الترجمة، وهي أن لغته أسلس وأقرب إلى الجمال من لغة الكتاب الأول، وذلك لتقدم أسلوب رفاعة في الفترة التي بين الكتابين٣، ومن هنا يعتبر الكتاب بالإضافة إلى كل ما تقدم، خطوة في سبيل تحسين النثر العربي وتطويره.

وأخيرًا هناك ظاهرة جديرة بالتسجيل تتعلق بالأدب في تلك الحقبة، وهي الالتفات من بعض الكتاب إلى موضوع الوطن والوطنية، بالمفهوم الحديث تقريبًا، فقد كان الوطن من قبل ذائبًا في جملة العالم الإسلامي أو دولة الخلافة، وليس له دلالة خاصة، وبالتالي ليس هناك كتابات تدور حوله وتتغنى به.

أما الآن ومع كتابات رفاعة الطهطاوي بصفة خاصة، فنحن نجد فكرة الوطن تبرز، والتغني به يبدأ، حتى ليمكن أن يعتبر ما كان من ذلك حجر الأساس


١ المصدر السابق ص٦٦.
٢ المصدر السابق ص١٩٧.
٣ طبع تخليص الإبريز أول مرة سنة ١٨٣٤، وطبع مواقع الأفلاك أول مرة سنة ١٨٦٧، فالمدة بينهما تزيد على ثلاثين عامًا.

<<  <   >  >>