للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بلاد فرنسا من رفيع ووضيع، لا يختلفون في إجراء الأحكام المذكورة في القانون، حتى إن الدعوى الشرعية تقام على الملك؛ وينفذ عليه بالحكم كغيره، فانظر إلى هذه المادة، فإنها لها تسلط عظيم على إقامة العدل، وإسعاف المظلوم، وجبر خاطر الفقير، بأنه كالعظيم نظرًا إلى إجراء الأحكام، ولقد كادت هذه القضية أن تكون من جوامع الكلم عند الفرنساوية، وهي من الأدلة الواضحة على وصول العدل عندهم إلى درجة عالية، وتقدمهم في الآداب الحضرية"١.

على أن لرفاعة عملًا آخر أكثر أهمية في هذه الناحية من ذاك الكتاب، هذا العمل هو ترجمته لمغامرات تليماك Les Aventures de Tedlemaque التي كتبها القس الفرنسي فينيلون Fenellone، وقد سمى رفاعة الترجمة "مواقع الأفلاك في وقائع تليماك"، ولعل الأدب العربي الحديث لم يعرف تجرمة لرواية فرنسية قبل ترجمة رفاعة لتلك الرواية، وهكذا تأتي أهمية تلك الترجمة أولًا من حيث إنها أول مظهر من مظاهر النشاط الروائي في مصر خلال العصر الحديث، ثم تأتي أهميتها ثانيًا من حيث ما اشتملت عليه من نقد لاستبداد عباس الأول، ومن دعوة محجبة لملصريين إلى التآزر والاتحاد للمقاومة والخلاص، ثم تقديم لبعض قيم الديمقراطية، ومبادئ الحرية٢.

فقد ذكر رفاعة أنه قصد بترجمة تليماك: "إسداء نصائح إلى الملوك والحكام، وتقديم مواعظ لتحسين ساوك عامة الناس". ولكن يلاحظ بوضوح أنه اختار هذه الرواية بالذات لكونها أنسب الأعمال لحاله، وموقف عباس منه، حين اضطهده ونفاه إلى السودان، ولذا نرى رفاعة في تليماك يتحدث عن الملك المصري الذي ينفي "منظور" إلى السودان بسبب بعض الوشايات، ثم يتحثد عن ملك جديد يتولى الملك بعد الملك السابق، ويطلق سراح جميع الأسرى٣، وهو في ذلك يوشك أن يتحدث عن نفسه ونفي عباس له، وتطلعه إلى حاكم عادل يأتي بعد عباس.


١ انظر: تخليص الإبريز ص٨٠.
٢ انظر: تطور الرواية العربية ص٥٧-٦٠.
٣ انظر: وقائع تليماك ص١٨، وما بعدها.

<<  <   >  >>