للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد تجلى هذا التأثر بالرمزية في خاصة التوسع في المجاز، بناء على فكرة تجاوب الحواس التي نبه إليها "بودلير"١. كما تجلى في خاصة استخدام التعابير الموحية، التي تخلق جوًا، وتثير خيالا وتجلب ذكرى، أكثر مما تؤدي معنى أو تفيد دلالة أو تزيد فكرة٢.

ويمكن أن يضاف إلى مصادر هذه الخصائص الفنية عند بعض شعراء هذا الاتجاه مصدر آخر، هو الأدب المهجري، الذي كان في طابعه العام يتسم "بالرومانتيكية"، وفي بعض جوانبه يرتبط بالرمزية، ومن ذلك كتب جبران خليل جبران، التي تتمثل "ورمانتيكيتها" في جيشان العاطفة، وانطوائية النزعة وغلبة طابع الحزن، والاهتمام بموضوعي الطبيعة والحب، كما تمسها الرمزية في العبارات الموحية، والصور المعبرة عن حالات النفس، والمخاطبة لمكنون اللاشعور، وقد ظهر النتاج المهجري مبكرًا، وكان بعضه ينشر في مصر في وقت نشأة هذا الاتجاه وظهوره إلى النور، فقد أخذت كتب جبران خليل جبران تظهر منذ سنة ١٩٠٥ ٣، وتوافر عدد منها ومن غيرها في الفترة التي يساق عنها الحديث، فكانت رافدًا من روافد هذا الاتجاه، وخاصة بالنسبة لمن لم يكونوا يجيدون لغة أجنبية من الشعراء المتطلعين بحكم نزعتهم التجديدية، إلى زاد يشحذ ملكاتهم، ويثير خيالاتهم، ويعطيهم النموذج الذي عليه ينسجون.

ولا يمكن، ونحن بصدد الحديث عن مصادر هذا الاتجاه الفنية، أن ننسى تأثير كل من المحافظثين والمجددين السابقين، حيث أفاد شعراء هذا الاتجاه من حركة الصراع بينهما، وأخذوا من سمات كل اتجاه أحسنها، بل أفادوا


١ انظر: الرمزية والأدب العربي لأنطون غطاس كرم ص٩٢، وانظر: الشعر المصري بعد شوقي الحلقة الثالثة ص٢٢.
٢ انظر: الرمزية والأدب العربي لأنطون غطاس كرم ص٧٦-٨٥، وانظر: مجلة أبولو عدد يونية سنة ١٩٣٣، ص٢٢٠٤، وما بعدها "مقال للهمشري".
٣ انظر: أدبنا وأدباؤنا في المهاجر الأمريكية لجورج صيدح ص٢٦٦ وما بعدها ط٣.

<<  <   >  >>