للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"وعلى كل حال فقد أمسى الشاعر ضيقًا متعبًا مغرقًا في السأم والتفكير، فخرج لا يدري إلى أين ومضى حيث تجره قدمه، فانظر إلى هذه الصورة التي لا تلائم شعرًا ولا لغة؛ فالقدم لا تجر صاحبها وإنما تحمله، وتحمله متثاقلة مكدودة، إذا لم يتح لها النشاط؛ وإنم يجر صاحب القدم قدمه فاترًا مكدودًا لا يقوى على المشي، ولكن الشاعر أراد قافية تلائم السأم، فجعل قدمه تجره على حين كان ينبغي أن يجرها هو"١.

وإذا كان مثل هذا التحامل لا يتفق مع ثقافة طه حسين وذوقه الفني، فإنه يتفق مع روح الصراع الذي كان يسيطر على الحياة المصرية في ذلك الحين، ويفسد عليها كثيرًا من شئونها.

وليس من شك في أن هذه المقاومة التي لقيها هذا الاتجاه -وبخاصة من العقاد وطه حسين- قد فتت في عضد شعرائه، وأصابت بعضهم بصدمة شديدة حملتهم على التوقف، فأعلن أكثر من واحد إضرابه عن قول الشعر، كما كان من إبراهيم ناجي وصالح جودت٢، ولكن تلك الوقفة لم تطل، فسرعان ما زالت الصدمة، واستعاد هؤلاء الشعراء الثقة، وواصلوا سيرهم في اتجاههم بحماس أكثر ونتاج أغزر، فازداد عدد الأنظار الملتفتة إليهم، وتضاعف الشعراء السائرون في اتجاههم، وخاصة من الشباب المثقف، الذي لا يريد أن يحصر نفسه في نطاق التراث العربي، وإنما يتطلق إلى آفاق فنية أرحب، وألوان أدبية أخصب، وقد كان هذا الاتجاه بإبداعه وعاطفيته، يستهوي هذا الشباب، حتى رأينا منهم طائفة ممتازة تسرع بالانضمام إلى السائرين فيه، وكان من هؤلاء الشباب المثقفين الطموحين: عزيز فهمي وعبد الرحمن الخميسي، وصالح الشرنوبي، ومحمد فهمي، وهكذا ظل هذا الاتجاه أخصب الاتجاهات الشعرية وأكثرها حيوية، وأشدها رواجًا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.


١ انظر: حديث الأربعاء جـ٣ ص١٥٣-١٥٤.
٢ انظر: جماعة أبولو لعبد العزيز الدسوقي ص٥١٤-٥١٦، وانظر: ديوان ناجي ص٢٠.

<<  <   >  >>