للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يريد أن يتزعمه أبو شادي، وهكذا هاجم طه حسين علي محمود طه١، كما هاجم إبراهيم ناجي٢، وتحامل عليه تحاملا لا يتفق مع ثقافة الدكتور طه النقدية، ولا مع ذوقه الفني؛ فقد كان مما قاله عنه: "فإذا نظرنا إليه نظرة الناقد المحلل الذي يريد أن يقسم الشعر أنصافًا وأثلاثًا وأرباعًا -كما يقول الفرنسيون- لم يكد يثبت لنا أو يصبر على نقدنا، وإنما يدركه الإعياء قبل أن يدركنا، ويفر عنه الجمال الفني قبل أن يفر عنا الصبر على الدرس والنقد والتحليل". كما قال في تعليقه على أبيات ناجي التي منها:

أمسيت أشكو الضيق والأينا ... مستغرقًا في الفكر والسأم

فمضيت لا أدري إلى أينا ... ومشيت حيث تجرني قدمي

"فانظر إليه، وقد أمسى يشكو الضيق والأين، وهو مستغرق في الفكر والسأم، فأما الضيق والسأم فقد نفهمها من الشاعر، وقد نفهم أن يشكو التعب، ولا سيما إذا كان طبيبًا قد أنفق ساعات طوالا يلقى المرضى، ويفحصهم وصيف لهم الدواء، ويسمع منهم ما لا يحب للقراء أن يسمعوه، ولكن الذي لا يستقيم للشاعر المجيد، هو الاستغراق في الفكر والسأم معا، فالمفكر لا يسأم والسائم لا يفكر؛ لأن التفكير يشغل صاحبه حتى عن الضيق والتعب والسأم؛ ولأن السأم لا يمكن صاحبه من التفكير، ولا يخلي بينه وبينه".


١ انظر: ما قال عنه في: حديث الأربعاء جـ٣ ص١٤٨-١٤٩، ومن ذلك قوله: " ... فهو يغلو في الخيال أحيانًا حتى يجاوز المألوف، ويتورط تورطًا فاحشًا فيما عاب النقاد به أبا تمام، فهو يجسم ما لا سبيل إلى تجسيمه، وليس بذلك بأس إذا لم يسرف الشعراء، وإنما ألموا به لمامًا، أما شاعرنا فيغلو فيه غلوًا فاحشًا، وما رأيك فيم جسم الليل حتى جعل له أوصالا وعروقًا، وأجرى في هذه العروق دمًا، وليت شعري كيف يكون دم الليل، أجامد هو أم سائل، أناصع هو أم قائم، أخفيف هو أم ثقيل، وليت شعري كيف يكون حال الليل إن سفك دمه أيموت أم يتجدد له الدم، فتتجدد له الحياة؟.. وليت شعري كيف تكون أوصال الليل؟ ومن المحقق أن هذه الأوصال والعروق تستتبع لحمًا وعظمًا وجلدًا، وما يتصل بذلك كله ... ".
وقوله: "فهو شاعر مجيد حقًا، ولكنه ما زال مبتدئًا".
٢ انظر: ما قاله في حديث الأربعاء جـ٣ ص١٥٣-١٥٤.

<<  <   >  >>