والمسرحية الغنائية الرابعة، تعرض فترة خيالية من حياة شاعر فيلسوف، يستيقظ في غابة الطبيعة على نشيد إلهة الجمال، التي تفتنه، وتخبره بأنها المتصرفة في الدنيا، وتعده بالسعادة الحقة، إذاما أطاع إرشادها، وتعرض عليه أمثلة من نفوذها، وتسمح له في حدود سلطانها بمصاحبة شقيقتها إلهة الحب التي تكلفها بإرشاده وتوجيهه، ولكن إلهة الشهوة، ثم إلهة القوة، تجعلانه يجحد إيمانه بالجمال بالحب، فيشقى ويضل ويندم، بعد أن ينال منه الشقاء والتعاسة، وهنا يدعو إلهتي الجمال والحب لنجدته، ويغمى عليه فيسقط، فتخفان إلى جواره ونجدته والصفح عنه، وتعيدان إليه سعادة الدنيا، وتهيئاته لهناءه الخلود.
ويلاحظ على مسرحيات أبي شادي الغنائية عدة ملاحظات، فهي أولا تستوحي التاريخ الحديث حينا، كما في "إحسان"، وتستوحي التاريخ القديم حينا آخر كما في "أردشير" و"الزباء"، كما تستوحي عالم الأساطير، وتعتمد على الرموز في بعض الأحايين كما في "الآلهة"، وهي ثانيا ليست على حظ كبير من الجودة الفنية، وربما كان ذلك؛ لأنها لم يقصد منها إلى إنشاء نص "درامي" شعري مستقل بمقوماته الفنية، وإنما قصد بها إلى إنشاء أعمال شعرية تكمل فنيتها بالتلحين والموسيقى، ولا يهتم فيها بجودة النص "الدرامي" بالقدر الكافي، نظرا لعدم الاعتماد أساسا عليه وحده.
وتلك المسرحيات الغنائية -بعد ذلك- يلاحظ على شعرها خاصة شعر أبي شادي العامة، الذي يتردد بين القوة والضعف، وتبدو فيه أحيانا نثرية في الأسلوب، وسطحية في الأفكار، وبرود في العاطفة، نتيجة لغزارة نتاجه، وتسجيله لكل ما يعن له، وعدم اهتمامه بالمعاودة والتجويد والصقل١.
١ انظر: الشعر المصري بعد شوقي للدكتور محمد مندور الحلقة الثانية ص١١-١٨، والأدب العربي المعاصر في مصر ص١٥٢-١٥٣.