في تلك الفترة عرفت المقالة عهدها الذهبي، فقد تعددت الصحف نتيجة للصراع الحزبي، واهتمت كل صحيفة باستكتاب اللامعين من حملة الأقلام، لكسب أوفر عدد من القراء، ولم يقتصر الأمر على الصحف الحزبية، بل تعددت كذلك المجلات الثقافية والأدبية، نتيجة للتقدم الثقافي والوعي الصحفي والازدهار الأدبي، فكما كانت هناك:"السياسة" و"البلاغ" و"كوكب الشرق" و"الجهاد" في الميدان السياسي، كانت هناك:"الهلال" و"المقتطف" و"العصور" و"الرسالة"، و"المجلة الجديدة" في الميدان الثقافي والأدبي١.
وكانت المقالة هي أهم الوسائل التي يخاطب بها الأدباء قراءهم عن طريق تلك الصحف والمجلات، وكان للصراع الحزبي بين الصحف الناطقة بلسان الأحزاب؛ كما كان للتنافس الشديد بين المجلات الناطقة بلسان الثقافة والأدب؛ أثر هائل في تنشيط كتابة المقالة، التي توفرت لها كل عوامل الازدهار في ذلك الحين.
وقد كان من مظاهر هذا الازدهار تعدد ألوان المقالات، فكان منها المقالة الأدبية، التي تدرس شخصية أو ظاهرة، أو اتجاهًا أو أثرًا في الأدب العربي القديم أو الحديث، أو في الأدب الأوروبي الغابر أو المعاصر، وكان منها المقالة النقدية، التي تحدد قيمة أو تشرح مبدأ من قيم النقد أو مبادئه، أو تطبق هذا أو ذاك على بعض الدواوين، أو الكتب أو النصوص الأدبية على وجه العموم، كما كان منها المقالة الفلسفية التي تعرف ببعض الفلاسفة، أو تشرح بعض نظرياتهم وأفكارهم، لكن بلغة الأدب وأسلوب الأدباء، لا بلغة الفلاسفة وأسلوب الحكماء، كذلك كان منها المقالة التاريخية، التي تعرض لعصر مضى أو ثورة سلفت، أو بطل غبر أو شخصية ولت، وذلك
١ كانت السياسة لسان حال الأحرار الدستوريين، وكان البلاغ وكوكب الشرق والجهاد، من أهم صحف الوفد، وكان الهلال والمقتطف مجلات ثقافية على اختلاف بينهما في الطابع، فالهلال يغلب عليها الطابع الأدبي والمقتطف يغلب عليها الطابع العلمي، والعصور لإسماعيل مظهر، والمجلة الجديدة لسلامه موسى يغلب عليها الطابع العلمي التقدمي كذلك، أما الرسالة، فكان يغلب عليها الطباع العربي الإسلامي.