يتحيفه ويمحوه ويتعاوره بالشكر والمنكر، فابتعث الله تاريخ العقل بآدم جديد. بدأت به الدنيا تطورها الأعلى، من حيث يرتفع الإنسان على ذاته، كما بدأت من حيث يوجد الإنسان في ذاته، فكانت الإنسانية دهرها بين اثنين: أحدهما فتح لها طريق المجيء من الجنة، والثاني فتح لها طريق العودة إليها، كان في آدم سر وجود الإنسانية، وكان في محمد سر كمالها".
"ولذا سمي الدين "بالإسلام"؛ لأنه إسلام النفس إلى واجبها، أي إلى الحقيقة من الحياة الاجتماعية، كأن المسلم ينكر ذاته فيسلمها إلى الإنسانية تصرفها وتعتملها في كمالها ومعاليها، فلاحظ له هو من نفسه يمسكها على شهواته ومنافعه، ولكن للإنسانية به الحظ".
"وما الإسلام في جملته إلا هذا المبدأ، مبدأ إنكار الذات و"إسلامها" طائعة على المنشط والمكره لفروضها وواجباتها، وكلما نكصت إلى منزعها الحيواني، أسلمها صاحبها إلى وازعها الإلهي، وهو أبدًا يروضها على هذه الحركة ما دام حيًا، فينتزعها كل يوم من أوهام دنياها ليضعها ما بين يدي حقيقتها الإلهية، يروضها على ذلك كل يوم وليلة خمس مرات مسماة في اللغة خمس صلوات، لا يكون الإسلام إسلامًا بغيرها، فلا غرو كانت الصلاة بهذا المعنى كما وصفها النبي صلى الله عليه وسلم: هي عماد الدين، بين ساعات وساعات في كل مطلع شمس من حياة المسلم صلاة، أي إسلام النفس إلى الإرادة الاجتماعية الشاملة القائمة على الطاعة للفرض الإلهي، وإنكار المعاني الذاتية الفانية التي هي مادة الشر في الأرض، وإقرارها لحظات في حيز من الخير المحض البعيد عن الدنيا وشهواتها وآثامها ومنكراتها، ومعنى ذلك كله تحقيق المسلم لوجود روحه، إذا كانت أعمال الدنيا في جملتها طرقًا تشتت فيه الأرواح وتتبعثر، حتى تضل روح الأخ عن روح أخيه، فتنكرها ولا تعرفها".
"وهذا الوجود الروحي هو مبعث العقلية التي جاء بها الإسلام؛ ليهدي الإنسانية إليها، حالة السلام الروحاني الذي يجعل حرب الدنيا