للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيها، ويتضاءل المضمون بها في كثير من الأحايين، ولكنها تبقى -برغم ذلك- باهرة بإشراق صياغتها، أخاذة بروعة بيانها، هذه الروعة التي تجعل منها في بعض الأحيان شيئًا شبيهًا بالشعر، وخاصة في الموضوعات العاطفية والوصفية.

وهذا نموذج "لطريقة البيان المنسق" التي عرف بها الزيات تتضح فيها أهم سمات تلك الطريقة التي سلف عنها الحديث، والنموذج جزء من مقال للكاتب بعنوان: "أوروبا والإسلام"، وفيه يقول:

"شيع الناس بالأمس عاما قالوا: إنه نهاية الحرب، واستقبلوا اليوم عامًا يقولون إنه بداية السلم، وما كانت تلك الحرب التي حسبوها انتهت، ولا هذه السلم التي زعموها ابتدأت، إلا ظلمة أعقبها عمى، وإلا ظلامًا سيعقبه دمار! ".

"حاربت الديمقراطية وحليفتها الشيوعية عدوتيهما الدكتاتورية، وزعمتا للناس أن أولاهما تمثل الحرية والعدالة، وأخراهما تمثل الإخاء والمساواة، فالحرب بينها وبين الدكتاتورية التي تمثل العلو في الأرض،والتعصب للجنس والتطلع إلى السعادة، إنما هي حرب بين الخير والشر، وصراع بين الحق والباطل، ثم أكدوا هذا الزعم بميثاق خطوه على مياه "الأطلسي"، واتخذوا من الحريات الأربع التي ضمنها هذا الميثاق مادة للدعاية شغلت الإذاعة والصحافة والتمثيل، والتأليف أربع سنين كوامل، حتى وهم ضحايا القوة وفرائس الاستعمار أن الملائكة والروح يتنزلون في كل ليلة بالهدى والحق على روزفلت، وتشرشل وستالين، وأن الله الذي أكمل الدين وأتم النعمة وختم الرسالة، قد عاد فأرسل هؤلاء الأنبياء الثلاثة في واشنطن ولندن وموسكو، ليدرأوا عن أرضه فساد الأبالسة الثلاثة في برلين وروما وطوكيو! وعلى هذا الوهم الأثيم بذلت الأمم الصغرى للدول الكبرى قسطها الأوفى من الدموع والدماء والعرق؛ فأقامت مصر من حريتها، وثروتها وسلامتها في "العلمين" سدًّا دون القناة، وحجزت تركية

<<  <   >  >>