كلفه بمثل تلك الألفاظ والتعابير، يوشك أن يجري جريًا وراء اللفظة الشعبية والعبارة المصرية التي تحاشاها الاستعمال المتفاصح، حتى ظُن أنها ليست عربية. وفوق كل هذا يكلف المازني بالمثل الشعبي كما يكلف برسم الصورة المصرية التي تستمد عناصرها من البيئة المحلية، ومن البيئة القاهرية على وجه الخصوص. والمازني في كل ذلك قاصد إلى الأداء بأسلوب فيه ظلال اللغة المصرية، كما هو قاصد بسخريته ودعابته ومفارقاته إلى الأداء بأسلوب فيه عطر الروح المصرية كذلك، ومن تآزر عطر الروح المصرية، وظلال اللغة المصرية في أسلوب المازني، يتحقق ما سميته "بطريقة الأداء المصري".
على أننا نجد في أسلوب المازني أحيانًا بعض الألفاظ الغربية، أو المغالية في مستوى الفصاحة، وأغلب الظن أنه يستخدم مثل تلك الألفاظ في معارض السخرية، أو إظهار المفارقة أو الإضحاك، كأن يخاطب متعاليًا بقوله:"أيها الفطحل"، وكأن يتحدث عن متحذلق بقوله:"إنه من الجهابذة"، وكأن يقول عن حالته امتلائه:"إنه شعر بالكظة".
وبرغم هذا "الأداء المصري" في طريقة المازني، قد كان -غالبًا- لا يتورط في إهمال قواعد اللغة أو اللجوء إلى الألفاظ، أو التراكيب العامية، وإنما كان يحافظ على الإطار اللغوي الفصيح، في قواعده، وتراكيبه ومفردات ألفاظه، اللهم إلا ما قد يكون من استعمال للفظة هنا أو عبارة هناك، حين يفرضها رسم لجو ما، أو يحتمها تصوير لشخصية معينة، أو يدعو إليها إيحاء خاص.
وهذا نموذج يصور إلى حد كبير طريقة المازني، أو "طريقة الأداء المصري"، وسماتها التي سلف عنها الحديث، والنموذج جزء من مقال للمازني بعنوان "بين القراءة والكتابة"، وفيه يقول:
"مضت شهور لم أكتب فيها كلمة في الأدب؛ لأني كنت أقرأ! والقراءة والكتابة عندي نقيضان، وقد كنت -وما زلت- امرءًا يتعذر عليه، ولا يتأتى له، أن يجمع بينهما في فترة واحدة، ولكم أطلت الفكر في ذلك