للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوقت نفسه لا يضيقون بالأوربيين ضيق المصريين، كما نراهم لا يهتمون بما هو عربي اهتمام المصريين، بل نراهم يحاولون إحلال فكرة الوطن محل فكرة الخلافة، والاستعاضة بالدعوة إلى التحرر من الخليفة عن الدعوة إلى التحرر من الاستعمار، وليس من شك أنه قد كان وراء كل ذلك خصومتهم العنيفة للخليفة، وكراهيتهم لكل ما يرتبط بالخلافة، ولو من بعيد١.

ومهما يكن من أمر، فقد أسهموا بمجهود مشور في إنضاج الوعي، وتطوير الصحافة، وإدخال بعض الفنون إلى مصر، كما كان لما استلزمته صحفهم وصحف إخوانهم المصريين من مطابع، أثر كبير في نشر الثقافة بصفة عامة.

وفي هذه الفترة كان قد جاء إلى مصر جمال الدين الأفغاني بآرائه الإصلاحية ودعوته التحررية، ورأى فيه المصريون، وإخوانهم الشاميون قوة تعين على ما يرجوه الجميع، فالمصريون رأوا فيه الزعيم المسلم الداعي إلى الإصلاح الديني والاجتماعي فتحسموا له وتأثروا به، والشاميون رأوا فيه الزعيم السياسي المنادي بالحرية، ومقاومة الطغيان فالتفوا حوله، وأفسحوا في صحفهم له. وهكذا كانت حركة فكرية أدبية نشطة كان لها أثرها المحمود في اللغة والأدب، كما سنرى ذلك في حينه إن شاء الله، ولعل مما يرتبط بما كان من منضجات للوعي، تلك الجمعيات الثقافية المتعددة التي كانت مجالًا لتبادل الآراء، ونشر الأفكار، وبث الوعي، واتساع رقعة الثقافة على وجه العموم، هذا بالإضافة إلى ما كان لها من أثر في إتاحة الفرصة للألسنة لتمرن على الخطابة، وتجيد القول وتطوع اللغة، ومن أشهر تلك الجمعيات "الجمعية الخيرية الإسلامية" التي أنشئت بالإسكندرية أولًا سنة ١٨٧٨، وكان من عمدها عبد الله النديم، خطيب الثورة العرابية٢.


١ تطور الرواية العربية للدكتور عبد المحسن البدر ص٢٨-٢٩.
٢ تاريخ آداب اللغة العربية لجورجي زيدان جـ٤ ص٧٨، وما بعدها.

<<  <   >  >>