للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكني على كل حال أعلن إليكم راضيًا سعيدًا، أني مضطر أن أثني على العقاد الشارع من غير تحفظ أو احتياط.

"لنا نحن النقاد مع العقاد مواقف، يا لها من مواقف، نختصم فيها حول المعنى اختصامًا مرهقًا عنيفًا، ونختصم معه في اللفظ اختصامًا نضيق نحن به ويضيق به الناس، ولكننا حين نختم معه في معنى أو لفظ، أو حين نشتط عليه في النقد، لا نزيد على أن نعترف له أن الشاعر الفذ، ولولا أنه الشاعر الفذ لما خاصمناه.

"أما أنا أيها السادة فسعيد بهذه الفرصة التي أتيحت لي، ومكنتني من أن أعلن رأيي في صراحة، وأن أقول -وقد يكره هذا مني كثير من الناس- مكنتني من أن أقول، بالرغم من الذين سخطوا والذين سيسخطون: أني لا أومن في هذا العصر الحديث بشاعر عربي كما أومن بالعقاد، أنا أعرف حق المعرفة وأقدر كما ينبغي نتيجة هذه المقالة التي أعلنها سعيدًا مغتبطًا، أعلم هذا حق العلم، وأعلنه مقتنعًا به محتملًا تبعاته، وقد تعودت احتمال التبعات الأدبية.

"تسألونني لماذا أومن بالعقاد في الشعر الحديث، وأومن به وحده؟ وجوابي يسير جدًا، لماذا؟ لأنني أجد عند العقاد مالًا أجده عنده غيره من الشعراء، وإن شئتم فإنني لا أجد عند العقاد ما أجده عند غيره من الشعراء؛ لأني حين أسمع شعر العقاد، أو حين أخلو إلى شعر العقاد، فإنما أسمع نفسي أو أخلو إلى نفسي، إنما أرى صورة قلبي، وصورة قلب الجيل الذي نعيش فيه، وحين أسمع لشعر العقاد، إنما أسمع الحياة المصرية الحديثة، وأتبين المستقبل الرائع للأدب العربي الحديث، إنما أرى شيئًا لا أراه عند غيره من الشعراء، تستطيعون أن تنظروا في أي ديوان من دواوين العقاد، لا أطلب منكم أن تقرأوا شعر العقاد الآن، إنما انظروا في الفهرست وحده، فسترون من هذه النظرة اليسيرة في هذه الصفحات القليلة، أن العقاد شيء آخر، وأن شعر العقاد شيء آخر،

<<  <   >  >>