وأنه أرسل ليتحدث إلى نفوسكم أحاديث لم يتحدث بها أحد من قبل.
"ثم لماذا أيضًا؟ لماذا أكبر العقاد، وأومن به وحده دون غيره من الشعراء في هذا العصر؟ لأن العقاد -أيها السادة- يصور لي هذا المثل الأعلى في الشعر الذي أحببته، وتمنيت وجاهدت في أن يحبه الشباب، هذا المثل الأعلى الذي يجمع بين جمال العربي القديم، وبين أمل المصري الحديث، هذا المثل الذي ليس محافظًا مسرفًا في المحافظة، وليس مجددًا مسرفًا في التجديد، إنما هو مزاج مقتصد منهما، هو حلقة اتصال، هو صلة خصبة بين مجدنا القديم، وما نطمع فيه من مجدنا الحديث.
" ... كنا أيها السادة نشفق على الشعر العربي، وكنا نخاف عليه أن يرتحل سلطانه عن مصر، وكنا نتحدث حين مات الشاعران العظيمان شوقي وحافظ، كنا نتحدث عن علم الشعر العربي المصري أين يكون ومن يرفعه للشعراء والأدباء يستظلون به؟ كنا نسأل هذا السؤال، وكنت أنا أسأل هذا السؤال، لماذا؟ لأني كنت أرى شعر العقاد، على علو مكانته وجلال خطره شعرًا خاصًّا مقصورًا على المثقفين والمترفين في الأدب، وكنت أسأل: هل آن للشعر القديم المحافظ المسرف في المحافظة أن يستقر وأن يحتفظ بمجده، وهل آن للشعر الجديد الذي يصور مجد العرب، وأمل المصريين أن ينشط ويقوى؟ انتظرت فلم أجد للمقلدين حركة أو نشاطًا، فإذا المدرسة القديمة قد ماتت بموت شوقي وحافظ، وإذا المدرسة الجديدة قد أخذت تؤدي حقها، وتنهض بواجبها، فترضي المصريين والعرب جميعًا، وإذا الشعر الجديد يفرض نفسه على العرب فرضًا، وإذا الشعور المصري والقلب المصري، والعواطف المصرية أصبحت لا ترضى أن تصور كما كان يصورها حافظ وشوقي، إنما تريد وتأبى إلا أن تصور تصويرًا جديدًا، هذا التصوير الذي حمل الملايين على إكبار العقاد كما قال أحد الخطباء، إذن لا بأس على الشعر العربي والأدب العربي، وعلى مكانته مصر في الشعر والأدب.
"ضعوا لواء في الشعر في يد العقاد، وقولوا للأدباء والشعراء: أسرعوا واستظلوا بهذا اللواء، فقد رفعه لكم صاحبه"١.
١ اقرأ نص الخطبة في جريدة الجهاد عدد ٢٩/ ٤ / ١٩٣٤.