ويمكن أن نرى شبيهًا بكل ذلك، في شعر الشيخ علي الليثي، ومن سار في نفس الطريق من الشعراء التقليديين الخالصين.
على أن بعض التجديد قد ظهر كومضات مضيئة خلال أشعار بعض التقليديين، فجاء شعرهم -في جملته- تقليديًّا كسابقيهم، غير أنه امتاز عن شعر أولئك الشيوخ، بأنه لم يكن تقليديا خالصًا، وهذه الطائفة الثانية كانت تتألف من نفر ممن أتيح له قدر من الثقافة الجديدة، أو أتيح لهم حظ من الاتصال بحياة أكثر رحابة وأعظم انفساحًا، ويأتي في طليعة هؤلاء صالح مجدي، الذي عرفناه في أواخر الفترة السابقة يجاري أستاذه رفاعة في نظم القصائد الوطنية، وأولى محاولات الأناشيد الحماسية١؛ فنحن نراه في هذه الفترة -فترة الوعي- يلتفت إلى بعض الموضوعات السياسية والاجتماعية، فيقول فيها شعرًا ناقدًا، يدل على وعي وصدق حس، ومن ذلك حديثه عن تغلغل الأجانب في البلاد واستئثارهم بعديد من مناصبها، واستنزافهم لكثير من مواردها، الأمر الذي تفاقم على عهد إسماعيل، وكان صالح مجدي في مثل هذا الشعر، يعبر عن روح كل مصري وثورته، حيث يقول:
إذ ما زماني بالقنا والقواضب ... علي سطا في مصر سطوة غاضب
حملت على إبطاله ببسالة ... وبددتهم في شرقها والمغارب
ولي معه منذ الفطام وقائع ... بأيسرها تبيض سود الذوائب
ومن عجب في السلم أني بموطني ... أكون أسيرًا في وثاق الأجانب
وأن زعيم القوم يحسب أنني ... إذا أمكنتني فرصة لم أحارب
وأني أغضي عن مساو عديدة ... له بعضها يقضي بخلع المناكب
وهل يجعل الأعمى رئيسًا وناظرًا ... على كل حربي لنا في المكاتب
ومن أرضه يأتي بكل ملوث ... جهول بتلقين الدروس لطالب
ويغتنم الأموال لا المنافع ... تعود على أبنائنا والأقارب
١ راجع ما كتب عن ذلك في الفص السابق، "مبحث ١- الشعر".