للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في المشرق والأندلس، من أمثال أبي تمام والبحتري، والمتنبي من المشارقة، وابن زيدون وابن خفاجة من الأندلسيين، والمراد بالبيانية، إبراز الجانب البياني في الشعر بشكل واضح، والاعتماد عليه أساسًا كعنصر من أهم عناصر الجمال فيه؛ حتى ليقدم الجانب البياني على الجوانب المتعددة الأخرى، التي يمكن أن يتألف منها نسيج الشعر، كالجانب الذهني١، والجانب العاطفي٢، وما إليهما.

وقد كان هذا الأسلوب المحافظ البياني بعد ذلك وسيلة تعبير عن حياة الشاعر الخاصة وأحاسيسه الذاتية، ثم عن قضايا بلده ومشكلاته القومية، وأخيرًا كان وسيلة لتسجيل بعض أحداث العصر، الخارجة عن نطاق الذات والوطن. وهكذا لم يكن استخدام الأسلوب المحافظ البياني، حاملًا للشعراء من أصحاب هذا الاتجاه على حصر أنفسهم في أغراضهم الأقدمين أصحاب هذا الأسلوب في الأصل، وإنما كان أسلوبًا حيًّا مشرقًا، قد اختير للتعبير عن أغراض تشبه أغراض الأقدمين حينًا، وتختلف عنها في كثير من الأحايين، على أن الشاعر من أصحاب هذا الاتجاه كان يتخذ من العالم العربي القديم عالمًا مثاليًا، يخفق له قلبه، ويهيم به خياله، ويشد إليه وجدانه؛ لأنه عالم الآباء الأماجد والتاريخ العريق، والدولة العربية الإسلامية الغالية، ومن هنا كان يستمد الشاعر كثيرًا من صوره من هذا العالم، بل يجمع بعض الألوان والخطوط من الصحراء، فيرسم خيامها وكثبانها وبانها، ويتغنى بهند وأسماء وسعاد والرباب، ويبكي الرسوم والأطلال، ويذكر أماكن تعود ذكرها الشاعر القديم كالعقيق ونجد، ويشبه الحبيبة بنفس طريقة ذاك الشاعر القديم، فيجعل قوامها غصنًا، وإشراقها بدرًا ونفرتها ظبيًّا، ويتخذ


١ هذا الجانب يغلب على نسيج الشعر الذي يمثله شكري، والمازني والعقاد، وهو الاتجاه الذي يسمى "بمدرسة الديوان".
٢ هذا الجانب يغلب على نسيج الشعر الذي يمثله أبو شادي، وعلي طه وناجي والهمشري، وهو الاتجاه الذي يسمى باسم "مدرسة أبوللو".

<<  <   >  >>