للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأنها عاجزة عن علاج المشكلات أولًا ثم؛ لأنها لن تفهم من جمهور القراء ثانيًا. وكان الوعي قد لفت الأنظار إلى التراث العربي النثري المشرق، وأدرك الوراد من الكتاب١ ما فيه هذا النثر من ترسل، وبساطة، وحرية، وقوة، وكان قد أذيع -ضمن ما أذيع من تراث- آثار نثرية جيدة، يمكن أن تكون أنماطًا للكتابة التي يجب أن توجه الجماهير عن طريق الصحف، كبعض كتب ابن المقفع، وكبعض آثار ابن خلدون، فأخذ الرواد من المثقفين المصريين يكتبون موضوعات في السياسة، والاجتماع والدين، بهذه اللغة الجانحة إلى الموضوعية والوضوح والترسل، وهم في ذلك مراعون لمقتضيات الصحافة وتحديد أنهرها، ومستوى قرائها، ووسائل تأتيها، فكانت من هذه الكتابات المقالات الحقيقية الأولى في الأدب الحديث٢.

وقد كان يؤازر المصريين ويشاركهم تلك الحركة، إخوانهم من مهاجري الشام المسيحيين، كما كان يرودهم ويوجههم، ذلك المصلح الغيور السيد جمال الدين الأفغاني، ومن كل تلك الظروف ولدت المقالة في ألوانها السياسية والاجتماعية والدينية، حيث وجدت موضوعات عامة تدعو إلى الكتابة، ووجد جمهور كبير يتجه إليه الكتاب، كما وجدت صحف تنقل هذه الكتابات إلى أكبر عدد من المتلقين، وفيهم العاديون من المتعلمين، بل وفيهم المستمعون للقراء من الأميين، وأخيرًا حيث وجد في التراث العربي -الذي بدأ الاهتمام به- نمط أسلوبي يمكن أن يحتذى في الجانب التعبيري على الأقل.

وكان لهذا التحول من الموضوعات التقليدية الضيقة فيما يكتب أولًا، ثم من الفرد إلى الجماعة فيمن يكتب إليه ثانيًا، أكبر الآثار في أن اتخذت المقالة


١ في مقدمة هؤلاء الشيخ محمد عبده.
٢ سبق رفاعة الطهطاوي ببعض كتابات رائدة في "الوقائع"، ثم في "روضة المدارس"، ولكنها لم تتخلص تمامًا من المعوقات التي لم تجعلها مقالات مكتملة. انظر: أدب المقالة الصحفية في مصر للدكتور عبد اللطيف حمزة جـ١ ص١٢٢، وما بعدها.

<<  <   >  >>